مجادلة الكفار في آيات الله ونهي الله عباده عن الاغترار بهم
ثم بين الله ﷾ أن الكفار يجادلون في آيات الله، فهم يريدون رفضها وعدم العمل بها وعدم انتشارها.
فالذين يحاربون الإسلام هم الكفرة المعرضون الذين يمنعون ظهور القرآن ولا يحبون انتصار آياته البينات، ويكرهون أن يعلو أمر الله ﷿ في بقعة من الأرض، وأن يظهر أهل الإيمان الذين إذا مكنهم الله ﷿ أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.
ما أكثر من يكره التمكين لدين الله ﷿! فيكره أن تقام الصلاة وأن تؤتى الزكاة، وأن يؤمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر! فبين ﷿ أن هؤلاء يتقلبون في البلاد، فلا يجوز أن يغتر الإنسان بهم، قال تعالى: ﴿فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ﴾ [غافر:٤].
فلا يغررك تمكنهم وسلطانهم أيها العبد المكلف، والخطاب كان لرسول الله ﵌ وهو في مكة حين لم يظهر الإسلام في أرض من البلاد، ولم يتكون بعد ذلك المجتمع المسلم الذي تعلوه شريعة الله ﷾ ويعظم فيه أمره وكلامه، ويقدم فيه هدي رسوله ﵌.
فما أكثر من يغتر بتقلب الكفار في أنواع النعم في مشارق الأرض ومغاربها! وما أكثر من يرى الدولة لهم فيتابعهم على باطلهم فيكون -والعياذ بالله- واحدًا منهم بموالاته لهم، ورضاه عنهم، ورغبته في ظهور كلمتهم، أو بمجرد متابعته لهم في المجادلة في آيات الله ﷾، نعوذ بالله من ذلك.
والذين يغترون بسلطان الكفار وتقلبهم في البلاد هم الذين خبثت قلوبهم، فأراد الله ﷿ أن يميز الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا فيجعله في جهنم، كما قال ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال:٣٦ - ٣٧].
هكذا قدر الله ﷾ بعلمه وحكمته أن يميز أهل الإيمان وإن كانوا في فترة من الفترات فيما يبدو للناس لا يملكون الدفع عن أنفسهم، ولا يملكون أرضًا من البلاد يعلون فيها منهجهم ويظهرون فيها دينهم ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وهو ابتلاء من الله ﷾ يقدره لكي يغتر من يغتر ولكي ينتبه من ينتبه ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ﴾ [غافر:٤].
2 / 3