دروس للشيخ محمد المنجد

محمد صالح المنجد ت. غير معلوم
83

دروس للشيخ محمد المنجد

تصانيف

مذهب السلف في صفات الأفعال ووصف الله ﷾ نفسه بأنه واحد، فقال: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة:١٦٣] ووصف بعض المخلوقين بذلك، فمن هذا قوله ﷾: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ﴾ [الرعد:٤] وصف نفسه بالغنى، فقال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد:٢٤] ووصف بعض المخاليق بالغنى، فقال: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ [النساء:٦]. فإذًا هل إثبات صفة الغنى لله وإثبات صفة الغنى للمخلوق تعني تشبيهًا؟ الجواب لا، وهكذا فلا داعي أن تنفى صفات الرب ﷾ بعلة التشبيه بصفات المخلوقين. وقد وصف ﷾ نفسه بصفات الأفعال، ووصف بعض المخاليق بهذه الصفة، جاءت للخالق في نص وجاءت للمخلوق في نص آخر. من صفات الأفعال، مثلًا الرزق، الله ﷾ قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ [الذاريات:٥٨] وسمى نفسه الرزاق، وصفة الرزق بها يرزق ﷾: ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المؤمنون:٧٢] ووصف بعض المخلوقين بصفة الرزق، أي أن المخلوق يرزق، الدليل على أن المخلوق يرزق: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء:٨] وقال تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا﴾ [النساء:٥] وقال الله ﷿: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾ [البقرة:٢٣٣]. فهذا الله يرزق، والمخلوق يرزق، لكن شتان بين رزق الله ﷿ ورزق المخلوق، فرزق المخلوق ناقص ورزق المخلوق لا يكون إلا إذا كان عنده، ثم يفنى، ثم لا يستطيع أن يعطي، ولا يرزق إلا بمشيئة الله ﷾ إلى آخره. ولا يقدر المخلوق أن يرزق إلا شيئًا محدودًا، لا يستطيع أن يعطي كل الناس، الله يرزق الحيتان في البحر، ويرزق الدود، ويرزق الجراد، ويرزق كل أحد ﷾. من صفات الفعل أيضًا: العمل: عمل يعمل عملًا، فالله ﷿ يعمل، وقال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس:٧١] ووصف بعض المخاليق بأنهم يعملون، كما قال ﷿: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور:١٦] هذا عمل وهذا عمل وإثباتهما لا يستلزم أي تشبيه إطلاقًا. والتعليم وصف الله نفسه بأنه يعلم، وأخبر أنه يعلم، وأخبر أن بعض المخاليق تعلم، فقال ﷾: ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن:٢] ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن:٤] ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق:٤] ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء:١١٣] ووصف بعض المخاليق بأنهم يعملون فقال سبحانه: ﴿أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف:٦٦] ﴿َ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ [المائدة:٤] ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ [الجمعة:٢] فهذا التعليم من الله، وهذا التعليم من المخلوق، وما استلزم أي تشبيه إطلاقًا، كل كما يليق به. ووصف ﷾ نفسه بأنه ينبئ، ووصف المخلوق بأنه ينبئ، وجمع بينهما في آية واحدة: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [التحريم:٣] فهو ينبئ سبحانه، وأخبر أن نبيه قد نبأ بعض أزواجه. ووصف نفسه ﷾ بصفة الفعل الإيتاء، قال ﷿: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة:٢٦٩] وقال سبحانه: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود:٣] ووصف بعض المخاليق بأنهم يؤتون، فقال ﷿: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ [الكهف:٩٦] لكن هذا يقول: أعطوني، أنا أريد المخلوق يعطي الشيء، قال ﷾: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ [النساء:٢٠] ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء:٤]. فكل هذا الكلام يدل على أن الصفات التي وردت لله، لو كان هناك مثلها عند المخلوقين فلا يستلزم إثباتها أي تشبيه، كل بما يليق به.

5 / 7