الركون إلى الدنيا
ومن أعظم أسباب القسوة بعد الجهل بالله ﵎: الركون إلى الدنيا، والغرور بأهلها، وكثرة الاشتغال بفضول أحاديثها، فإن هذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب والعياذ بالله ﵎، إذا اشتغل العبد بالأخذ والبيع، واشتغل أيضًا بهذه الفتن الزائلة والمحن الحائلة سرعان ما يقسو قلبه؛ لأنه بعيدٌ عمن يذكره بالله ﵎.
فلذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوغل في هذه الدنيا أن يوغل برفق، فديننا ليس دين رهبانية، ولا يحرم الحلال ﷾، ولم يَحُل بيننا وبين الطيبات، ولكن رويدًا رويدًا، فالأقدار قد سبق بها القلم والأرزاق قد قُضيت يأخذ الإنسان بأسبابها دون أن يغالب القضاء والقدر، يأخذها برفق ورضًا عن الله ﵎ في يسيرٍ يأتيه، وحمدٍ وشكرٍ لباريه، سُرعان ما توضع له البركة ويكفى فتنة القسوة التي تفتح عليه فتنة كل شيء، فتجدهم يضحون بأوقات الصلوات، ويضحون بارتكاب الفواحش والموبقات، ولكن لا تؤخذ هذه الدنيا عليهم، ولا يمكن أن يضحي الواحد منهم بدينار أو بدرهمٍ منها، فلذلك دخلت هذه الدنيا إلى القلب، والدنيا شعب، ولو عرف العبد حقيقة هذه الشعب، لأصبح وأمسى ولسانه يلهج إلى ربه، رب نجني من فتنةِ هذه الدنيا، فإن في الدنيا شُعبًا، ما مال القلب إلى واحدة منها، إلا استهوى القلب لما بعده، ثم إلى ما بعده، حتى يَبعد عن الله ﷿، وعندها تسقط مكانته عند الله وما يبالي الله به في أي وادٍ من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله.
هذا العبد الذي نسي ربه، وأقبل على هذه الدنيا مجلًا مكرمًا لها، فعظم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بمن يستحق الإجلال والتعظيم والتكريم ﷾، فلذلك كانت عاقبته والعياذ بالله من أسوأ العواقب.
4 / 9