174

دروس للشيخ إبراهيم الدويش

تصانيف

الكلمة الأولى: العلم كنز عظيم وله فضل عميم
ولأهله منزلة عالية ودرجة رفيعة، واسمع لهذه النصوص والآثار بتدبر واعتبار، وهي على سبيل الإيجاز والاختصار: قال تعالى: ﴿يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة:١١] .
وقال عزّ من قائل: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران:١٨] فبدأ سبحانه بنفسه، وثنىّ بملائكته، وثلّث بأهل العلم وكفاهم ذلك شرفًا وفضلًا، وجلالة ونبلًا.
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:٩] .
وقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣] .
وقال سبحانه: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت:٤٣] وفي القرآن بضعة وأربعون مثلًا، وكان بعض السلف إذا مر بمثل لا يفهمه يبكي ويقول: لست من العالمين.
وأما الأحاديث والآثار في العلم وفضله ورفعة أهله فكثيرةٌ جدًا، ومن أشهرها: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قال: (ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة) .
وما رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من سلك طريقًا يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر) .
وقد رواه الوليد بن مسلم، عن خالد بن يزيد، عن عثمان بن أيمن، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من غدا لعلم يتعلمه فتح الله له به طريقًا إلى الجنة، وفرشت له الملائكة أكنافها، وصلت عليه ملائكة السماء وحيتان البحر، وللعالم من الفضل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، والعلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ بالعلم أخذ بحظ وافر، وموت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، ونجم طمس، وموت قبيلة أيسر من موت عالم) قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: هذا حديث حسن.
وقال ابن حجر: أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء، وحسنه حمزة الكناني.
وضعفه باضطراب في سنده لكن له شواهد يتقوى بها.
انتهى كلام الحافظ.
وضعّفه الألباني من رواية عاصم بن رجاء وقال: لكن أخرجه أبو داود من طرق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن.
ومن الآثار: ما يروى عن معاذ بن جبل ﵁ أنه قال -وانتبه لهذا الكلام-: (تعلموا العلم؛ فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه؛ لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء) وهذا الأثر أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله من طرق مرفوعًا وموقوفًا، ولا يصح بوجه لا موقوفًا ولا مرفوعًا، وقد قال ابن عبد البر: حديث حسن جدًا، ولكن ليس له إسناد قوي، قال العراقي في تخريج الإحياء: قوله: حسن، أراد به الحسن المعنوي، لا الحسن المصطلح عليه بين أهل الحديث، وذكره ابن القيم في مفتاح دار السعادة وقال: هذا الأثر معروف عن معاذ، ورواه أبو نعيم في المعجم من حديث معاذ مرفوعًا للنبي ﷺ ولا يثبت، وحسبه أن يصل إلى معاذ.
وهكذا الآيات والأحاديث والآثار التي تشير إلى العلم وفضله، وأن صاحبه يحمل كنزًا عظيمًا يعلو به في الدنيا والآخرة، وأنصحك -أيها المحب! - بالرجوع إلى كلام ابن القيم الجميل في كتاب مفتاح دار السعادة، فقد ذكر ثلاثة وخمسين ومائة وجه في العلم وفضله وشرفه، فهي كنز عظيم، مليئة بالفوائد والنوادر والغرائب والعجائب.

8 / 3