قضية الأخلاق والسلوك
القضية الخامسة: قضية الأخلاق والسلوك، وما ينبغي على المسلمين أن يتحلوا به من الشمائل الحسنة، والأخلاق الطيبة التي قال عنها النبي ﷺ: ﴿ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق﴾ ويقول ﷺ: ﴿إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم﴾ ولما ﴿سئل النبي ﷺ عن امرأة تصوم النهار وتقوم الليل لكنها قد عدمت الأخلاق بإيذائها جيرانها، وعدم كفها أذاها عن أقاربها قال ﷺ: هي في النار﴾ والعياذ بالله.
علينا أيها الإخوة أن نعنى بشأن حقوق إخواننا المسلمين، وأن نعلم أننا في مجتمع المسلمين يجب علينا أن نعنى بحقوق بعضنا على بعض قال ﷺ: ﴿حق المسلم على المسلم ست: ومنها رد السلام وإجابة الدعوة وقبول النصيحة وتشميت العاطس واتباع الجنائز﴾ ومنها أن يكف المسلم أذاه عن إخوانه المسلمين، وأن يقوم بالإحسان إلى والديه، وأهله، وزوجه، وأبنائه، وأقاربه، وإلى إخوانه المسلمين، وألا يكون في صدره غل ولا حقد ولا حسد على أحد من إخوانه المسلمين.
في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال يومًا لأصحابه: ﴿يدخل الآن عليكم رجل من أهل الجنة﴾ فدخل رجل من الأنصار تقطر لحيته من ماء وضوئه ويحمل نعليه ﵁ وأرضاه، فتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص ﵃ جميعًا وعن صحابة رسول الله ﷺ، فتبعه ورأى عمله وسكن عنده وأقام عنده ثلاثة أيام فلم يره كثير صوم ولا صلاة، فقال له: ﴿يا هذا! إن رسول الله ﷺ قال: يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
وقد أقمت عندك ولم أرك كثير صوم ولا صلاة فما بلغت هذا المنزلة؟ قال: هو ما رأيت غير أني أبيت وليس في قلبي غل ولا حقد ولا حسد على أحد من المسلمين﴾.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:١٠].
واليوم ساد الشقاق والحسد والبغضاء، ساد كثيرًا من الناس والمجتمعات والأسر لا لشيء إلا لأمر زهيد من أمور هذه الدنيا، فقد يقطع الناس أقاربه، وقد يجفوا أرحامه، وقد يسيء إلى جيرانه؛ لأجل أمر من أمور الدنيا التي لا تعدل شيئًا عند الله ﵎، فينبغي علينا أيها الإخوة في الله أن يكون أمر الدين، وأمر الخُلُق، وأمر التعاون، وأمر أداء حقوق إخواننا المسلمين؛ يسمو عن الأمور الشخصية، وعن الأحقاد والحساسيات والأنانيات والأثرة وحب الذات؛ لأننا نحن أمة شرفها الله بهذا الدين وبهذا الإسلام الذي جمع الصحابة ﵃ على اختلاف ديارهم وعلى اختلاف قبائلهم، وكان الإنسان يحب أخاه، وقد آخى النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار، وبلغ من حب أحدهم لأخيه المسلم أنه يتنازل عن ماله وعن شيء من زوجاته لأخيه المسلم الله أكبر! قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:٩].
ينبغي علينا أيها الإخوة أن نتحلى بالإيثار، وحب الخير لإخواننا المسلمين، وهذا شأن المجتمع المسلم يتعاون على البر والتقوى، يسعى كل واحد منهم لإصلاح حاله، وإصلاح حال إخوانه، لا يزيد في الفجوة، ولا يوسع الفتوق؛ وإنما يجمح الزلة ويغفر الخطيئة، ويغض الطرف عن أخطاء إخوانه المسلمين:
إذا كنت في كل الأمور معاتبًا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدًا أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وأمة الإسلام اليوم في عالم يموج بالمحن، ويطفح بالفتن والمغريات والصوارف عن دين الله ﷿، أعداء الإسلام يجلبون بخيلهم ورجلهم على المسلمين، يسعون في تفكيك وحدتهم، وفي النيل من تماسكهم، ويثيرون بينهم كل أمر يضعف أخوتهم، وأخوة الإسلام أمرها عظيم؛ ولهذا كانت أعظم قضية حرص عليها الإسلام بعد كلمة التوحيد أن وحد الكلمة قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:١٠٣] ليس من مصلحة الأمة التفرق والاختلاف والتنازع والشقاق، لا بين عامة الناس، ولا بين الخاصة منهم كأهل العلم والفضل والدعاة إلى الله والساعين في الخير والإصلاح، بل يجب أن تكون القلوب واحدة وأن يكون الصف واحدًا، وأن يسعى المسلم لتكميل إخوانه المسلمين، وألا ينظر بعين السوءات، ولا ينظر بعين تتبع العثرات، وإنما يحرص على كظم الغيظ وعلى الستر على إخوانه المسلمين، كما قال عمر ﵁: [[لا تحمل أخاك على المحمل السيئ وأنت تجد له في الخير سبعين محملًا]].
واليوم ما وجدت الشائعات، وزهد كثير من الناس بسلامة صدره لإخوانه في الله؛ إلا لما ضعف الولاء لهذا الدين، وضعفت عند كثير من الناس رابطة المحبة في الله والأخوة الإسلامية.
7 / 8