جوانح قادرة على تحمل الذي يدف في قلبي
من الخفق الشديد للمشاعر المشبوبة! (2 / 4 / 94-96)
أي إنه يجد في صورة الحبيبة البعيدة المنال وسيلة لتأكيد حساسيته الشديدة، بمعنى أنها وسيلة لا غاية، وهذه من السمات المألوفة في الرومانسات. ولكننا هنا نجد صورة مباشرة لها عند مالفوليو الذي «قضى نصف الساعة الماضية في التدريب على أساليب السلوك مع ظله في الشمس» (2 / 5 / 16)، ويقول بعض المخرجين إن مالفوليو هنا يخرج من جيبه مرآة صغيرة يتطلع فيها إلى وجهه وهو يقول «قالت إنها لو أحبت أحدا فسوف يكون مثلي في الصورة» (2 / 5 / 25)، وعلى عكس هذا تقدم فيولا صورة الحبيب قبل صورتها؛ أي تقول إنها سوف تشغل المكانة الثانية «ووراء من أحبه حبا يفوق هذه العيون والحياة كلها» (5 / 1 / 133)، وتؤكد غيرية الحبيب وحقيقته المستقلة عنها، فإن حبيبها «الخيالي» «من طبعك .. مولاي إنها في نحو سنك» (2 / 4 / 27-29).
وعندما تحين لحظة المواجهة بين التوأمين، نجد أن الذي يقر بالتشابه المذهل هو أورسينو نفسه:
الوجه واحد والصوت واحد بل الرداء واحد .. لكنه شخصان!
كأنني أمام مرآة مزاوجة .. لكنها من الطبيعة ..
تضم صدقا وخداعا! (5 / 1 / 213-215)
أي إن أورسينو هنا (الحاكم وأكثر الأشخاص ثقافة) قد غدا يواجه أسطورة مجسدة تعتبر صورة لنرجسيته الخاصة. وكلامه من هذه اللحظة وحتى نهاية المسرحية يدل على نضج مفاجئ، وإن كان ذلك مثار خلاف في النقد النسائي؛ إذ تنكره وتستنكره لندا بامبر (
Linda Bamber ) في كتاب لها بعنوان «شخصيات النساء الكوميدية وشخصيات الرجال التراجيدية» (1982م) قائلة إن تحول أورسينو من حب أوليفيا إلى حب فيولا تحول تقليدي تعسفي لا دوافع له (ص133)، متجاهلة أن أورسينو قد عرف فيولا خير المعرفة بعد أن صاحبها ذهنا وقلبا (حتى وهي متنكرة) ثلاثة أشهر، في حين أنه لم يعرف ولا يعرف شيئا عن أوليفيا التي لم تكن سوى الزاد الذي ظل يغذو نرجسيته فترة من الوقت في عالم الرومانس الذي يصوره شيكسبير، وشيكسبير هنا يؤكد الصورة الحديثة للحب القائم على المعرفة وتقارب المشارب لا القائم على فتنة الطلعة أو جمال المحيا! فذلك ينزله شيكسبير من عالم الرومانس إلى عالم الواقع، وما أسميته النضج المفاجئ ليس مجرد «تحول» كما تقول بامبر بل هو اكتشاف، بمعنى أن حقيقة مشاعر أورسينو نحو فيولا (تلك المشاعر التي لم يكن يجرؤ أن يفصح عنها ما دامت فيولا متنكرة في زي غلام)، قد ظهرت له وفتحت عينيه بعنف! وتؤيد ما أقول به هنا الباحثة المرموقة آن بارتون (
Anne Barton ) في دراسة لها بعنوان «معنى الختام في شيكسبير: كما تحب والليلة الثانية عشرة»، وهي منشورة في كتاب من تحرير مالكوم برادبري ودافيد بامر في سلسلة «دراسات ستراتفورد أبون آيفون 14: الكوميديا الشيكسبيرية» (1972م)؛ إذ تقول في صفحة 169 إن النهاية في كل من المسرحيتين تتضمن عناصر «اكتشاف للذات، وتعميق وتنمية للشخصية»، كما نجد دراسات أخرى تبحث في معنى التحول في الختام ودلالاته للفرد والمجتمع مثل دراسة شيرمان هوكنز (
صفحة غير معروفة