قلت: «سمعتك تقول حينا: الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية. فماذا عنيت؟»
قال: «قصدت بالحقيقة المطلقة تلك التي وصفتها، فقل هي الطبيعة، هي العناية، هي الوجود، هي الروح، هي المادة، بل قل هي مجموع ما ذكرت، وهي من أمر ربي. أما الحقيقة النسبية فهي ملجأ فريق من الحكماء، اخترعوها لتسلية نفوسهم وتعزيتها، يقولون: الحقيقة لا وجود لها، وإن وجدت فلا سبيل للوصول إليها. وحياة الإنسان على الأرض لا تسع البحث لبلوغ الغرض الأسمى (أيديال)، فكل ما رآه الإنسان حقا فهو حق ما دامت فيه راحة لنفسه وهدى لضميره.»
قلت: «وأي الحقيقتين أنشد؟»
قال: «ليكن غرضك الأسمى «أيديال» الحقيقة المطلقة، واقتنع بالحقيقة النسبية ما دمت في سبيل الوصول إلى الأولى.»
قلت: «وما هي السعادة؟»
قال: «هي ضرب من ضروب المثل الأعلى، هي غاية الأفراد والجماعات، ومعناها أن يتمتع الفرد أو الجماعة بالحياة؛ ولهذا شروط عرف الناس بعضها وغاب عنهم معظمها، وأولها أن يكون الفرد أو الجماعة بغير قيود وضعها الغير للانتفاع بها، وهذا شرط أولي مطلق، وكل ما عداه ثانوي نسبي، ومن لا يحوزه ليس في عداد الأحياء ولا ينبغي الاعتداد به، بل ينبغي أن يبذل في سبيل الحصول عليه كل شيء حتى الوجود الذاتي؛ لأن الوجود الذاتي لا قدر له، ومثل من يعيش بدون هذا الشرط اكتفاء بالحياة المادية كمثل من يفضل الحياة النباتية الدنيا على الحياة الروحانية العليا.»
قلت: «هذا الشرط الأول عرفته، فما هو عماد السعادة؟»
قال: «الحب والفضيلة.»
قلت: «سمعتك تقول الحب عبث وضرب من خيال الشعراء، والفضيلة لفظ موضوع.»
قال: «قصدت نوعا واحدا من الحب، وهو حب المرأة، ولم أقصد المثل الأعلى منه.
صفحة غير معروفة