يا نفسي الضعيفة الجاهلة، ويا فؤادي المعذب الضال، كيف السبيل إلى القوة والعلم؟ كيف الطريق إلى الهدى والسعادة؟
يا قوى الأرض الظاهرة والكامنة، يا أسرار الحياة الواضحة والباطنة، هل عندك لتلك الأسئلة من جواب؟ بل أنت أيتها الإلهة القديمة، يا ذات التصرف في العوالم كلها، هل لديك قول فيه فصل الخطاب؟
إن حكمة الفلاسفة مذ كانت البسيطة في طفولتها وحنكة العلماء بعد أن بلغت الإنسانية كهولتها وكتب السماء والأرض؛ كلها عاجزة عن الجواب.
إن الناس حولي يذهبون ويجيئون، وهم في كل لحظة يحزنون ويفرحون، ويعيشون ويموتون، وإن لهم لأصواتا يملأ دويها الفضاء، ويضيق دون تموجاتها الهواء، ولكنني إذا ألقيت على الإنسانية سؤالي سكنت حركتها، وهدأت أصواتها، وصمتت أفواهها، ورفعت أيديها إلى عل كأنها تظن به ما يشفي غليلها ويطفئ نارها، ثم تعود مطرقة برأسها إلى الأرض بندم يخالطه اليأس!
مسكينة أنت أيتها الإنسانية! إنك مخدوعة كما يخدع عشاق المجد، إن ما يخدعهم وهم باطل، إكليل من الغار يظهر أمامهم ويختفي، ستضعه الربة الخادعة على قبورهم لا على رءوسهم.
أما ما يخدعك أنت فأكبر وأعظم ولكنه خيال.
إننا جئنا إلى هذه الأرض اعتباطا ، ونعيش فيها، وسنذهب عنها كذلك، وحظنا في يد قضاء أعمي ظالم يقسم بيننا الأفراح والأتراح بلا عدل ولا نظام.
أيتها الربة الخادعة، كم أقبلت على لذة أحتاجها! وكم تعلقت بمخلوق أحبه! وكم سكنت إلى مكان أرتاح إليه؛ فحرمتني لذتي، وأبعدت محبوبي، وأقفرت مسكني، وقلت لي: إياك واللذة والمحبوب والراحة؛ لئلا لا تنال الجائزة!
إنني لا أزال أسيرك بعد أن كنت تبينت غدرك وخداعك، إن قوة كامنة فيك وخفية عني تجذبني إليك رغم إرادتي، ترى أتدري الإبرة سر الشمال؟ أم يدري الفراش معنى اللهب؟
إنني فريسة ظالمين لا يشفقان ولا يرحمان: روح حائر، وحب قاهر؛ الأول لا يقر له قرار، والثاني يجلب العذاب والضجر!
صفحة غير معروفة