وتلاشى سنجام فلم يغمض له جفن.
16
فوق قبة جامع الإمام العاشر، في جلسة مفعمة بالهدوء، مترعة ببرد الشتاء، متلفعة برداء الليل، جلس قمقام وسنجام .. تحتها تدفقت قوات الشرطة مكشرة عن أنيابها، يتطاير الشرر من أعينها الثملة بالحمرة القانية. همس قمقام في أسى: يا لعذاب البشر!
فقال سنجام كالمعتذر: ما فعلت إلا أن أنقذت روح جمصة البلطي من الجحيم. - ما تدخلنا مرة في حياتهم وانتهى الأمر بما نود. - والإغضاء عنهم فوق ما نحتمل.
ومر تحتهم في تلك اللحظة المعلم سحلول تاجر المزادات والتحف، فأشار إليه قمقام قائلا: إني أغبطه على معاشرته لهم كأنه آدمي مثلهم!
فقال سنجام مشاركا: ولكنه ملاك، نائب عزرائيل في الحي، واجبه يقتضي الاختلاط بهم ليل نهار، ويحل له ما لا يحل لنا.
فقال قمقام: لندع الله أن يلهمنا الصواب.
فردد سنجام: آمين.
17
اعترضت مسيرة عبد الله الحمال عثرة ضاق بها صدره .. كان يمضي بحمل كبير من النقل والفاكهة المجففة إلى دار عدنان شومة كبير الشرطة .. ولم يكن كف عن تقييم مصرع إبراهيم العطار، ما وراءه من جهاد صادق، وما تسلل إليه من غضب ورغبة في الانتقام .. سبيل الله واضح ولا يجوز أن يخالطه غضب أو كبرياء، وإلا انهار البناء من أساسه .. وكانت دار عدنان شومة تقوم في شارع المواكب والأعياد على مبعدة يسيرة من دار الإمارة .. شارع وقور تقوم على جانبيه دور السادة والفنادق الكبرى، وبه بستان وساحة بيع الجواري .. قال لنفسه وهو يدخل الدار: «سيجيء دورك يا عدنان قريبا.» .. وعندما هم بالذهاب أوقفه عبد، ودعاه إلى مقابلة صاحب الدار .. ذهب إلى بهو الاستقبال بقلب يخفق بالقلق .. نظر إليه الرجل بوجهه المستدير الصغير وعينيه الضيقتين القاسيتين وهو يداعب لحيته، ثم سأله: من أي البلاد؟
صفحة غير معروفة