الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
الناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سنة النشر
1315 هـ
والكون كله ناطق عن ولايته، والمدعي ناطق بولايته، والكون كله ينكر عليه، وكان يقول الاستهانة بالأولياء من قلة المعرفة بالله، وما وصل عبد إلى مقام، وهو غير محترم لأهله إلا حرم بركته، وكان ذلك استدراجا وكان يقول: لا يسمى عالما إلا من وقف عند حدود الله لم يتجاوزها في وقت من الأوقات وكان يقول: ما استصغرت أحدا من المسلمين إلا وجدت نقصا في إيماني، ومعرفتي، وكان يقول: ما منع القوم من الوصول إلا الاستدلال بغير الدليل، والركض في الطريق على حد الشهوة، وأكل الحرام، والشبهات، وكان يقول: مخالفة أوامر الله، وترك المواظبة على مرور ذكر الله على القلب من اعوجاج الباطن، وكان يقول: رأس مالك قلبك، ووقتك، وقد شغلت قلبك بهواجس الظنون، وضيعت أوقاتك باشتغالك بما لا يعينك فمتى يربح من خسر رأس ماله، والله أعلم.
ومنهم أبو الحسن محمد بن سعيد الوراق
رحمه الله تعالى آمين
من كبار المشايخ، وقدماء أصحاب أبي عثمان رحمه الله تعالى، وله كلام على سنن كلامه، وكان عالما بعلوم الظواهر، والكلام في علوم دقائق المعاملات، وعيوب الأفعال مات قبل العشرين والثلاثمائة، ومن كلامه رضي الله عنه الكرم في العفو أن لا تذكر جناية أخيك بعدما عفوت عنه، وكان يقول: اللئيم لا ينفك عن ضيق الصدر أبدا، وكان يقول: حياة القلوب التي تموت في ذكر الحي الذي لا يموت، وأهنأ العيش الحياة، مع الله تعالى لا غير.
وكان يقول: كانت أحكامنا في مبادئ أمرنا بمسجد أبي عثمان الحيري الإيثار، بما يفتح علينا، وأن لا نبيت على معلوم، ومن استقبلنا بمكروه لا ننتقم منه لأنفسنا بل نعتذر إليه، ونتواضع له، وإذا وقع في قلبنا حقارة لأحد قمنا بخدمته، والإحسان إليه حتى يزول ذلك، وكان رضي الله عنه يقول: من لم يفن عن نفسه، وغيره وروية الخلق لا يحيا سره بمشاهدة الخيرات، والمنن وكان يقول: أنفع العلوم العلم بأمر الله، ونهيه، ووعده ووعيده، وثوابه، وعقابه، وأعلى العلم العلم بالله وأسمائه، وصفاته، وكان يقول: خوف القطيعة أذبلت نفوس المحبين، وأحرقت أكباد العارفين، وكان يقول: والأنس بالخلق، وحشة، والطمأنينة إليهم حمق، والسكون إليهم عجز، والاعتماد عليهم، وهن والثقة بهم ضياع، رضي الله عنه.
ومنهم أبو الحسن علي بن سهل الصائغ الدينوري
رضي الله عنه
كان من كبار المشايخ أقام بمصر، ومات بها في سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكان كبير الهيبة يهابه كل من رآه، وكان من المخلصين في معاملة الله تعالى، وكان رضي الله عنه يقول: ينبغي للمريد أن يترك الدنيا مرتين الأولى: يتركها بنضارتها، ونعيمها، وألوان مطاعمها، ومشاربها، وجميع ما فيها ثم إذا عرف بترك الدنيا، وبجل، وأكرم بسبب تركها ينبغي له إذ ذاك أن يستر حاله بالإقبال على أهلها لئلا يكون تركه للدنيا هو أعظم من الإقبال عليها، أو طلبها وأي فتنة أعظم منها، وكان رضي الله عنه يقول: إذا سئل عن الاستدلال بالشاهد على الغائب كيف يستدل بصفات من يشاهد، ويعاين، وذو مثل على صفات من لا يشاهد، ولا يعاين، ولا مثل له، ولا نظير له، وكان يقول: من تعرض لمحبة الله تعالى جاءته المحن، والبلايا، والآفات من سائر الأقطار، وكان يقول: يجب على الإخوان كلما اجتمعوا أن يتواصوا بالحق، ويتواصوا بالصبر لقوله تعالى: " وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " " العصر: 3 " وكان يقول: محبتك لنفسك هي التي تهلكها والله تعالى أعلم.
ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن داود القصار الرقي
رضي الله عنه
من كبار مشايخ الشام، ومن أقران الجنيد، وابن الجلاء إلا أنه عمر عمرا طويلا، وصحب أكثر المشايخ من الشام ، وكان رضي الله عنه ملازما مجردا فيه محبا لأهله.
مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وكان يقول: حبك من الدنيا شيئان صحبة فقير، وحرمة ولي، وكان يقول: الأبصار قوية، والبصائر ضعيفة والله أعلم.
ومنهم ممشاد الدينوري
رضي الله عنه
كان من كبار المشايخ القوم صحب ابن الجلاء، ومن فوقه من المشايخ عظيم المرمى في علوم القوم كبير الحال ظاهر الفتوة مات سنة سبع وتسعين ومائتين، وكان يقول: طريق الحق بعيد، والصبر مع الله شديد، وكان يقول: لو جمعت حكمة الأولين، والآخرين، وادعيت أحوال الأولياء، والمقربين لن تصل إلى درجات العارفين حتى يسكن سرك إلى الله تعالى، وتثق بضمانه فيما وعدك، وقسم لك، وكان يقول: من يكن الله همته لم تستطعه الأقدار، ولم تملكه الأخطار، وكان يقول: ما دخلت
صفحة ٨٧