الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
الناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سنة النشر
1315 هـ
لأهل العلم، وكان رضي الله عنه يقول: إياكم والركون إلى دار الدنيا فإنها دار ممر لا دار مقر الزاد منها والمقيل في غيرها.
وكان يقول: لو أن رجلا في علم ابن عباس وهو راغب في الدنيا لنهيت الناس عن مجالسته فإنه لا ينصحك من خان نفسه وكان يقول: مثل الأولياء مثل الصيادين يصطادون العباد من أفواه الشياطين ولو لم يصد الوالي طول عمره إلا واحدا لكان قد أوتي خيرا كثيرا وكان يقول طلب الزهد فرارا من مشقة الأعمال الشاقة بطالة ولبس الصوف من غير إماتة النفس جهالة وترك المكاسب مع الحاجة إليها كسل والكسل مع وجود الاستغناء عنه كلفة والصبر على العزلة علامة وجود الطريق والتعبد مع تضييع العيال جهل وكان يقول: كم بين من يريد حضور الوليمة للوليمة وبين من يريد حضور الوليمة ليلتقي الحبيب في الوليمة وكان يقول: محاربة الصديقين لنفوسهم مع الخطرات ومحاربة الأبدال مع الفكرات، ومحاربة الزهاد مع الشهوات، ومحاربة التائبين مع الزلات، وكان رضي الله عنه يقول في دعائه: إلهي لا أقوى على شروط التوبة فاغفر لي بلا توبة، وكان يقول: لا يكون الرجل حليما حتى يلحظ النساء بعين الشفقة لا بعين الشهوة، وكان يقول جالسوا الذاكرين فإنهم ملازمون باب الملك رضي الله عنهم.
ومنهم أبو حامد أحمد بن حضرويه البلخي
رضي الله تعالى عنه
هو من أكابر مشايخ خراسان صحب أبا تراب النخشبي وحاتما الأصم ورحل إلى أبي يزيد البسطامي وزار أبا حفص الحداد، وهو من المشهورين بالفتوة مات سنة أربعين ومائتين رحمه الله تعالى. ومن كلامه رضي الله عنه: ولي الله لا يرسم نفسه بسيما ولا يكون له اسم يتسمى به وكان يقول: من صبر على صبر فهو الصابر لا من صبر وشكا، وكان يقول: بلغني أن شخصا من الأغنياء طلب زيارة شخص من الزهاد فدخل عليه فرآه يفطر في رمضان على خبز الشعير والملح فرجع التاجر إلى داره وأرسل للزاهد ألف دينار فردها وقال لغلامه: قل لمولاك هنا جزاء من أفشى سره على مثلك رضي الله عنهم.
ومنهم أبو الحسين أحمد بن أبي الحواري
رضي الله تعالى عنه ورحمه
واسم أبي الحواري ميمون من أهل دمشق صحب أبا سليمان الداراني وسفيان بن عيينة وجماعة من المشايخ. مات سنة ثلاثين ومائتين رضي الله عنه وكان الجنيد رحمه الله تعالى يقول أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام.
ومن كلامه رضي الله عنه الدنيا مزبلة ومجمع الكلاب وأقل من الكلاب من علق عليها وخاصم أصحابه لأجلها، فإن الكلب يأخذ منها حاجته وينصرف، والمحب لها لا يتركها بحال وكلما بلغ منها مبلغا طلب ما بعده، وكان رضي الله عنه يقول: علمني الخضر عليه السلام رقية للوجع فقال: إذا أصابك وجع فضع يدك على الموضع وقل: " وبالحق أنزلنا هو بالحق نزل "، " الإسراء: 105 " فلم أزل أقولها على الوجع فيذهب لساعته وكان إذا اطلع أحد على شيء من أخلاقه الحسنة يلوم نفسه ويقول ما هذه الغفلة حتى ظهرت محاسنك للناس رضي الله عنه.
ومنهم أبو حفص عمر بن سالم الحداد النيسابوري
رضي الله عنه
من قرية يقال لها كورذباذ بباب مدينة نيسابور على طريق بخارى. صحب عبد الله المهدي والنصر أباذي ورافق أحمد بن حضرويه البلخي وإليه ينتمي شاه بن شجاع الكرماني وكان أوحد الأئمة والسادة ومن كبار المشايخ المشار إليهم، مات سنة سبعين ومائتين، وكان إذا ذكر الله تعالى تغير عليه الحال، حتى يعرف ذلك منه جميع من حضره.
وكان رضي الله عنه يقول: من هوان الدنيا على أني لا أبخل بها على أحد وقيل له إن فلانا من أصحابك يدور حول السماع فإذا سمع بكى وصاح ومزق ثيابه، فقال: أيش يعمل الغريق يتعلق بكل شيء يظن فيه نجاته، وكان رضي الله عنه يقول: حرست قلبي عشرين سنة ثم وردت حالة فصرنا فيها جميعا محروسين وكان يقول: ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء ولمحه بقلبه وسئل مرة عن الولي فقال هو من أيد بالكرامات وغيب عن البدع، وسئل مرة عن آداب الفقراء فقال: هو حفظ حرمات المشايخ وحسن العشرة مع الإخوان والنصيحة للأصاغر، وترك الخصومات في الأرفاق وملازمة الإيثار، ومجانبة الادخار وترك صحبة من ليس على طريقهم، ومعاونة الإخوان في أمر دنياهم وآخرتهم فاعرض هذه الصفات على نفسك فإن وفيت بها فأنت فقير.
وكان يقول كثيرا فساد الأحوال دخل من ثلاثة أشياء: فسق العارفين، وخيانة المحبين،
صفحة ٧٠