الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
الناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سنة النشر
1315 هـ
وقاعدا ومضطجعا، وكان يقول: إن النملة التي كلمت سليمان كانت مثل الذئب العظيم، وكان يقول ليس أحد إلا ويؤخذ من قوله، ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه يقول: يؤمر بالعبد إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا ظني بك وأنت أعلم. فيقول الله عز وجل وهو أعلم " ما كان ظنك بي " فيقول: أن تغفر لي فيقول تعالى: " خلوا سبيله " وكان يقول: ليكن آخر كلام أحدكم عند منامه لا إله إلا الله فإنها وفاة لا يدري لعلها تكون منية. توفي رضي الله عنه، وهو ساجد سنة اثنتين ومائة وله ثلاث وثمانون سنة رضي الله عنه.
ومنهم عطاء بن أبي رباح
رضي الله تعالى عنه آمين
كان رضي الله عنه إذا حدثه أحد بحديث وهو يعلمه يصغي إليه كأنه ما سمعه قط لئلا يخجل الرجل، وكان يقرأ في قيامه في صلاة الليل المائتي آية أو أكثر وكان إذا استأذن عليه أحد لا يفتح له، حتى يقول له: بأي نية جئت إلي فإذا قال لزيارتك يقول ما مثلي من يزار ثم يقول: قد خبث زمان يزار فيه مثلي، وكان يقول: من جلس مجلس ذكر كفر الله تعالى عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل، وكان رضي الله عنه مولى لأبي ميسرة الفهري، نشأ بمكة.
وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: خزائن العلم لا يقسمها الله تعالى إلا لمن أحب ولو كان يخص بالعلم أحدا لكان أهل النسب أولى، وكان عطاء عبدا حبشيا، وكان يزيد بن أبي حبيب نوبيا، وكان الحسن البصري مولى، وكان ابن سيرين رضي الله عنه مولى للأنصار انتهى.
قلت: ومن الموالي أيضا مكحول وطاوس والنخعي وميمون بن مهران والضحاك بن مزاحم قاله الزهري. وكان عطاء يعلم الأكابر العلم وجاءه سليمان بن عبد الملك فجلس بين يديه فعلمه مناسك الحج، ثم التفت إلى أولاده وقال: تعلموا العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود. وحج عطاء رضي الله عنه سبعين حجة، وعاش مائة سنة. وتوفي بمكة سنة خمس عشرة ومائة رضي الله تعالى عنه.
ومنهم عكرمة مولى ابن عباس
رضي الله تعالى عنهم آمين
وكان يقول: في قوله تعالى: " للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب " " النساء: 17 " الدنيا كلها قريب وكلها جهالة، وكان رضي الله عنه يقول: من قرأ سورة يس في يوم لم يزل في سرور ذلك اليوم حتى يمسي، وكان رضي الله عنه يقول: سعة الشمس سعة الأرض وزيادة ثلاث مرات وسعة القمر سعة الأرض مرة.
وكان قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء ثلثا ينام، وثلثا يحدث، وثلثا يصلي، والله أعلم.
ومنهم طاوس بن كيسان اليماني
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله عنه يقول: قم للقرد في دولته، وكان يقول: يا ليتك تعلم العلم لنفسك فإن الناس قد ذهبت منهم الأمانة والعمل بالعلم، وكان يقول أفضل العبادة أخفاها، وكان رضي الله عنه يقول: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا.
مات سنة خمس ومائة، وحج رضي الله عنه أربعين حجة، وكان إذا رأى النار يكاد يطيش عقله، ورأى مرة رأسا يخرج رأسا من التنور فغشي عليه، وكان لا يسقي دابته من بئر حفرها سلطان، وصلى الصبح بوضوء العتمة أربعين سنة، وكان قوالا بالحق للولاة وغيرهم لا تأخذه في الله لومة لائم رضي الله عنه.
ومنهم أبو عبد الله وهب بن منبه
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله عنه يقول في التوراة علامة الرجل الصالح أن يخاصمه قومه الأقرب فالأقرب، وكان رضي الله عنه يقول: كان الناس ورقا بلا شوك وأنتم اليوم شوك لا ورق فيه، إن تركهم العبد وهرب تبعوه، وكان يكره النطق بالشعر ويقول: إني أكره أن يوجد في صحيفتي يوم القيامة شعر، وكان يكره القياس في الدين ويقول أخاف على العالم أن تزل قدمه بعد ثبوتها، وكان يقول: إذا قرأ الشريف تواضع وإذا قرأ الوضيع تكبر.
وكان يقول: من لم يسمح لعدوه بالمال لم يجد إلى غير قتاله سبيلا، وكان يقول: ما افتقر أحد إلا رق دينه وضعف عمله وذهبت مروءته واستخف به الناس، وكان رضي الله عنه يقول: اليد للمؤمن كالشكال للدابة، وكان يقول: إن للعلم طغيانا كطغيان المال، وكان يقول: اتخذوا عند الفقراء يدا، فإن لهم دولة يوم القيامة، وكان رضي الله عنه يقول: خلق ابن آدم أحمق ولولا حمقه ما هنأه العيش، وأتاه رجل فقال إني مررت على فلان، وهو يشتمك فغضب وذهب وقال ما وجد الشيطان غيرك رسولا، ثم إن ذلك الشاتم جاءه فأجلسه إلى جنبه، وكان رضى الله عنه يقول: قرأت نيفا وتسعين كتابا من كتب الله عز وجل فوجدت فيها
صفحة ٣٤