الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
الناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سنة النشر
1315 هـ
يدع القرآن رغبة منه إلى غيره، وكان يقول: لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تحبر فيها، وكان رضي الله عنه يقول: كونوا ينابيع العلم، ومصابيح الليل خلقان الثياب جدد القلوب تعرفون به في ملكوت السماء، وتذكرون به في الأرض، وكان رضي الله عنه يقول: لو حننتم حنين الواله الثكلان، وجأرتم جؤار ميتلي الرهبان.
ثم خرجتم من أموالكم، وأولادكم في طلب القرب من الله تعالى، وابتغاء رضوانه، وارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة كان ذلك قليلا فيما تطلبونه، وكان رضي الله عنه يقول: القلوب أوعية وخيرها أوعاها، ثم يقول: هاه هاه إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علما لو أصبت له حملة وأتى رضي الله عنه بفالوذج فوضع قدامه فقال: إنك طيب الريح حسن اللون طيب الطعم لكني أكره أن أعود نفسي ما لم تعتد، ولم يأكله، ولم يأكل رضي الله عنه طعاما منذ قتل عثمان، ونهبت الدار إلا مختوما حذرا من الشبهة، وكان قوته وكسوته شيئا يجيئه من المدينة، ولم يأكل من طعام العراق إلا قليلا، وكان رضي الله عنه يرقع قميصه ويقول: لمن لبس المرقع يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن، وكان يقطم من كم قميصه ما زاد على رؤوس الأصابع.
وكذلك كان عمر رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه يبرد في الشتاء حتى ترعد أعضاؤه عن البرد فقيل له: ألا تأخذ لك كساء من بيت المال، فإنه واسع فقال: لا أنقص المسلمين من بيت مالهم شيئا لي.
وكان رضي الله عنه يقول: التقوى هي ترك الإصرار على المعصية، وترك الاغترار بالطاعة، وكان رضي الله عنه يستوحش من الدنيا، وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، وكان يحاسب نفسه على كل شيء، وكان يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان رضي الله عنه يعظم أهل الدين والمساكين، وكان يصلي ليله ولا يهجع إلا يسيرا، ويقبض على لحيته، ويتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين حتى يصبح، وكان رضي الله عنه يخاطب الدنيا ويقول: يا دنيا غري غيري قد طلقتك ثلاثا عمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق. وكان رضي الله عنه يقول أشد الأعمال ثلاثة إعطاء الحق من نفسك، وذكرك الله تعالى على كل حال، ومواساة الأخ في المال، وكان يقول: ما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها، فلا تيأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت.
وكان رضي الله عنه يقول: لم يرض الحق تعالى من أهل القرآن الادهان في دينه، والسكوت على معاصيه، وكان يقول إن مع كل إنسانا ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإن الأجل جنة حصينة، وكان ينشد ويقول:
حقيق بالتواضع من يموت ... ويكفي المرء من دنياه قوت
فما للمرء يصبح ذا هموم ... وحرص ليس ندركه النعوت
فيا هذا سترحل عن قريب ... إلى قوم كلامهم السكوت
قال القضاعي رضي الله عنه: وكان لعلي رضي الله عنه من الأولاد الذكور أربعة عشر ولدا ولم يكن النسل إلا لخمسة منهم فقط: الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية، وعمر والعباس رضي الله عنهم أجمعين، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة مشهورة.
ومنهم الإمام طلحة بن عبيد الله
رضي الله تعالى عنه
ويجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة، وكان رضي الله عنه من الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ووقاه بيده ونفسه، فشلت يده وجرح يومئذ أربعا وعشرين جراحة، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة الخير، وكانت نفقته كل يوما ألفا وتصدق يوما بمائة ألف، وهو محتاج إلى ثوب يذهب به إلى المسجد فلم يشتر له قميصا، وكان رضي الله عنه يقول: إن رجلا يبيت عنده الدنانير في بيته لا يدري ما يطرقه من الله تعالى لغرير بالله، فكان إذا بات عنده الدنانير لا ينام تلك الليلة حتى يصبح ويفرقها، قتل رضي الله عنه يوم الجمل سنة ست وثلاثين، وقبره بالبصرة ظاهر يزار رضي الله عنه.
ومنهم الإمام الزبير بن العوام
رضي الله عنه
ويجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي، وقاتل
صفحة ١٨