الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
الناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سنة النشر
1315 هـ
وما شهدت عيني سوى عين ذاتها ... وإن سواها لا يلم بفكرتي
بذاتي تقوم الذات في كل ذروة ... أجدد فيها حلة بعد حلة
فليلى وهند والرباب، وزينب ... وعلوى، وسلمى بعدها، وبثينة
عبارات أسماء بغير حقيقة ... وما لوحوا بالقصد إلا لصورتي
نعم نشأتي في الحب من قبل آدم ... وسرى في الأكوان من قبل نشأتي
أنا كنت في العلياء مع نور أحمد ... على الحرة البيضاء في خلويتي
أنا كنت في رؤيا الذبيح فداءه ... بلطف عنايات، وعين حقيقة
أنت كنت مع إدريس لما أتى العلا ... وأسكن في الفردوس أنعم بقعة
أنا كنت مع عيسى على المهد ناطقا ... وأعطيت داودا حلاوة نغمة
أنا كنت مع نوح بما شهد الورى ... بحارا، وطوفانا على كف قدرة
أنا القطب شيخ الوقت في كل حالة ... أنا العبد إبراهيم شيخ الطريقة
قلت: وجميع ما فيه استطالة من هذه الأبيات إنما هو بلسان الأرواح، ولا يعرفه إلا من شهد صدور الأرواح من أين جاءت، وإلى أين تذهب، وكونها كالعضو الواحد من المؤمن إذا اشتكى فيه ألما تداعى له سائر الجسد، وذلك خاص بالكامل المحمدي لا يعرفه غيره. وقد كان سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه يقول: أعرف تلامذتي من يوم ألست بربكم، وأعرف من كان في ذلك الموقف عن يميني ومن كان عن شمالي، ولم أزل من ذلك اليوم أربي تلامذتي، وهم في الأصلاب لم يحجبوا عني إلى وقتي هذا، ونقله ابن العربي رضي الله عنه في الفتوحات. وكان رضي الله عنه يقول: أشهدني الله تعالى ما في العلى، وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ، وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء، وأنا ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفا معجما حار فيه الجن، والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته، وحركت ما سكن، وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى وأنا ابن أربع عشرة سنة، والحمد لله رب العالمين.
هذا ما لخصته من كتاب الجواهر له رضي الله عنه ، وهو مجلد ضخم.
ومنهم السيد الحسيب النسيب أبو العباس سيدي أحمد البدوي الشريف
رضي الله تعالى عنه
وشهرته في جميع أقطار الأرض تغني عن تعريفه، ولكن نذكر جملة من أحواله تبركا به فنقول: وبالله التوفيق: مولده رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينة فاس بالمغرب لأن أجداده انتقلوا أيام الحجاج إليها حين أكثر القتل في الشرفاء فلما بلغ سبع سنين سمع أبوه قائلا يقول: له في منامه يا علي انتقل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة فإن لنا في ذلك شأنا، وكان ذلك سنة ثلاث، وستمائة قال: الشريف حسن أخو سيدي أحمد رضي الله عنه فما زلنا ننزل على عرب ونرحل عن عرب فيتلقوننا بالترحيب، والإكرام حتى وصلنا إلى مكة المشرفة في أربع سنين فتلقانا شرفاء مكة كلهم، وأكرمونا، ومكثنا عندهم في أرغد عيش حتى توفي والدنا سنة سبع، وعشرين وستمائة، ودفن بباب المعلاة، وقبره هناك ظاهر يزار في زاوية قال: الشريف حسن فأقمت أنا، وأخوتي وكان أحمد أصغرنا سنا، وأشجعنا قلبا.
وكان من كثرة ما يتلثم لقبناه بالبدوي فأقرأته القرآن في المكتب مع ولدي الحسين، ولم يكن في فرسان مكة أشجع منه، وكانوا يسمونه في مكة العطاب فلما حدث عليه حادث الوله تغيرت أحواله، واعتزل عن الناس، ولازم الصمت فكان لا يكلم الناس إلا بالإشارة، وكان بعض العارفين رضي الله عنه يقول: إنه رضي الله تعالى عنه حصلت له جمعية على الحق تعالى فاستغرقته إلى الأبد، ولم يزل حاله يتزايد إلى عصرنا هذا ثم إنه في شوال سنة ثلاث، وثلاثين وستمائة رأى في منامه ثلاث مرات قائلا يقول: له قم، واطلب مطلع الشمس فإذا وصلت إلى مطلع الشمس فاطلب مغرب الشمس، وسر إلى طندتا فإن بها مقامك أيها الفتى فقام من منامه، وشاور أهله وسافر إلى العراق فتلقاه أشياخها منهم سيدي عبد القادر، وسيدي أحمد بن الرفاعي فقالا: يا أحمد مفاتيح العراق، والهند، واليمن، والروم، والمشرق، والمغرب بأيدينا فاختر أي مفتاح شئت منها فقال لهما سيدي أحمد رضي الله عنه لا حاجة لي بمفاتيحكما ما آخذ المفتاح إلا من الفتاح قال: سيدي حسن فلما فرغ سيدي أحمد من زيارة أضرحة أولياء العراق كالشيخ عدي بن مسافر، والحلاج، وأضرابهما خرجنا قاصدين إلى ناحية طندتا فأحدق بنا الرجال من سائر الأقطار يعاندوننا، ويعارضوننا، ويثاقلوننا فأومأ سيدي أحمد رضي الله عنه إليهم بيده فوقعوا أجمعين فقالوا له: يا أحمد أنت أبو الفتيان فانكبوا مهزومين راجعين، ومضينا إلى أم عبيدة فرجع سيدي حسن
صفحة ١٥٥