^ ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ^ قرآن كريم | بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . قال سيدنا ومولانا وقدوتنا إلى الله تعالى ، الشيخ الإمام العالم العامل ، العارف بالله تعالى ، إمام المحقفين ، وقدوة العارفين ، ومربي الفقراء والمريدين ، بأقوى قواعد التمكين ، فاتح أقفال غوامض معنويات إشارات المحققين ، ومعبر رموز مجلات مشكلات العارفين ، واسطة عقد السالكين ، وريحانة وجود الواصلين الذي أقامته القدرة الإلهية ورتبته العناية الربانية واللطائف الرحمانية ، وسلك الطريق الإلهية متبعا للكتاب العزيز والسنة المحمدية ، وتفقه حتى وصل إلى الغاية في مذهب السادة الشافعية وفتح الله عليه بالافتتاحات الربانية أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن الشعراوي الأنصاري طاب ثراه وجعل قبره روضة من رياض الجنة ونفعنا به وببركات علومه وأسراره ونفحاته في الدنيا والآخرة آمين . الحمد لله الذي خلع على أوليائه خلع إنعامه فهم بذلك له حامدون ، واختصهم بمحبته ، وأقامهم في خدمته فهم على صلاتهم يحافظون ، ودعاهم إلى حضرته وأظهر فيه مراتبهم فالسابقون السابقون أولئك المقربون ، وفتح لهم أبواب حضرته ، ورفع عن قلوبهم حجاب بعده فهم بين يديه متأدبون ، ولاطفهم بوده وأمنهم من إعراضه وصده ' ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ' يونس : 62 ، ونور بصارئرهم بفضله وطهر سرائرهم ، وأطلعهم على السر المصون ، وصانهم عن الأغيار ، وسترهم عن أعين الفجار لأنهم عرائس ولا يرى العرائس المجرمون ، فإذا مر عليهم ولي من أولياء الله ينسبونه إلى الزندقة والجنون ، وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ، فمنهم المنكر لكراماتهم ، ومنهم المنقص لمقاماتهم ، ومنهم الثالب لأعراضهم ، ومنهم المعترضون يعترضون على أحوالهم ، ويخوضون بجهلهم في مقالهم ، وبهم يستهزئون ، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ، فسبحان من قرب أقواما واصطفاهم لخدمته فهم على بابه لا يبرحون ، وسبحان من جعلهم نجوما في سماء الولاية ، وجعل أهل الأرض بهم يهتدون ، وسبحان من أباحهم حضرة قربه والمنكرون عليهم عنها مبعدون ؛ فالأولياء في جنة القرب متنعمون ، والمنكرون في نار الطرد والبعد معذبون ' لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ' الأنبياء : 23 . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة شهد بها الموقنون ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله النور المخزون والسر المصون ، اللهم فصل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين ، كلما ذكرك الذاكرون ، وغفل عن ذكره الغافلون . وبعد : فهذا كتاب لخصت فيه طبقات جماعة من الأولياء الذي يقتدي بهم في طريق الله عز وجل من الصحابة والتابعين إلى آخر القرن التاسع وبعض العاشر ، ومقصودي بتأليفه فقه طريق القوم في التصوف من آداب المقامات والأحوال لا غير ، ولم أذكر من كلامهم إلا عيونه وجواهره دون ما شاركهم غيرهم فيه مما هو مسطور في كتب أئمة الشريعة ، وكذلك لا أذكر من أحوالهم في بداياتهم إلا ما كان منشطا للمريدين كشدة الجوع والسهر ومحبة الخمول وعدم الشهرة ، ونحو ذلك أو كان يدل على تعظيم الشريعة دفعا لمن يتوهم في القوم أنهم رفضوا شيئا من الشريعة حين تصوفوا كما صرح به ابن الجوزي في الغزالي بل في حق الجنيد ، والشبلي ، فقال في حقهم : ولعمري لقد طوى هؤلاء بساط الشريعة طيا ، فيا ليتهم لم يتصوفوا . قلت : وكذلك قال لي جماعة من أهل عصري حين اجتمعت بالفقراء واشتغلت بطريقهم : وهذا الذي التزمته من ذكر عيون كلامهم فقط ما أظن أن أحدا ممن ألف في طبقاتهم التزمه إنما يذكرون عنهم كل ما يجدونه من كلامهم ، وأحوالهم ، ولا يفرقون بين ما قالوه : أو وقع منهم في حال البداية ، ولا بين ما وقع منهم في حال التوسط والنهاية ، ومن فوائد تخصيص عيون كلامهم بالذكر تقريب الطريق على من صح له الإعتقاد فيهم ، وأخذ كلامهم بالقبول فإن المريد الصادق هو من إذا سمع من شيخه كلاما فعمل به على وجه الجزم واليقين ساوى شيخه في المرتبة ، وما بقي له على المريد زيادة إلا كونه هو المفيض عليه . ومن هنا قالوا : بداية المريد نهاية شيخه فإن ما قاله الشيخ ، أو فعله أواخر عمره هو زبدة جميع مجاهداته طول عمره وسلكت في هذه الطبقات نحو مسلك المحدثين ، وهو أن ما كان من الحكايات والأقوال في الكتب المسندة كرسالة القشيري والحيلة لأبي نعيم ، وصرح صاحبه بصحة سنده أذكره بصيغة الجزم ، وكذلك ما ذكره بعض المشايخ المكملين في سياق الاستدلال على أحكام الطريق أذكره بصيغة الجزم لأن استدلاله به دليل على صحة سنده عنده ، وما خلا عن هذين الطريقين ، فأذكره بصيغة التمريض كيحكى ويروى ، ثم لا يخفى أن حكم ما في كتب القوم كعوارف المعارف ، ونحوه حكم صحيح السند ، فأذكره بصيغة الجزم كما يقول العلماء : قال في شرح المهذب : كذا قال في شرح الروضة : كذا ونحو ذلك وختمت هذه الطبقات بذكر نبذة صالحة من أحوال مشايخي الذين أدركتهم في القرن العاشر ، وخدمتهم زمانا ، أو زرتهم تبركا في مشايخ السلف وجميعهم من مشايخ مصر المحروسة وقراها رضي الله عنهم أجمعين . ثم اعلم يا أخي أن كل من طالع في هذا الكتاب على وجه الإعتقاد وسمع ما فيه فكأنه عاصر جميع الأولياء المذكورين فيه وسمع كلامهم وذلك لأن عدم الاجتماع بالشيخ لا يقدح في محبته وصحبته ، فإنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين وما رأيناهم ولا عاصرناهم ، وقد انتفعنا بأقوالهم واقتدينا بأفعالهم كما هو مشاهد ، فإن صورة المعتقدات إذا ظهرت وحصلت لا يحتاج إلى مشاهدة صورة الأشخاص ، ثم إن من طالع مثل هذا الكتاب ولم يحصل عنده نهضة ولا شوق إلى طريق الله عز وجل فهو والأموات سواء والسلام . وسميته بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار وصدرته بمقدمة نافعة تزيد الناظر فيه اعتقادا في هذه الطائفة ، إلى اعتقاده ، وتشير من طرف خفي إلى أن الإنكار على هذه الطائفة لم يزل عليهم في كل عصر ، وذلك لعلو ذوق مقامهم على غالب العقول ، ولكنهم لكمالهم لا يغيرون كما لا يتغيرون كما لا يتغير الجبل من نفخة الناموسة ، فأكرم به من كتاب جمع مع صغر حجمه غالب فقه أهل الطريق ، فهو في جميع نصوص أهل الطريق ، ومقلديهم ، كالروضة في مذهب الشافعي رضي الله عنه جعله الله خالصا لوجهه الكريم ، ونفع به مؤلفه وكاتبه وسامعه والناظر فيه إنه قريب مجيب . إذا علمت ذلك ، فأقول وبالله التوفيق : صفحة فارغة
صفحة ٧