الشيخ فى الشفاء ان الفصل له معنيان اول وثان لا كالجنس والنوع فان المعنى الأول فيهما كان للجمهور وفى الفصل للمنطقيين يستعملونه فيه وهو ما يتميز به شي ء عن شي ء لازما كان او مفارقا ذاتيا او عرضيا ثم نقلوه الى ما يتميز به الشي ء فى ذاته وهو الذي اذا اقترن بطبيعة الجنس افرزها وعينها وقومها نوعا وبعد ذلك يلزمها ما يلزمها ويعرضها ما يعرضها فانها وان كانت مع الفصل الا انه يلقى اولا طبيعة الجنس ويحصلها وتلك انما يلحقها بعد ما لقيها وافرزها فاستعدت للزوم ما يلزمها ولحوق ما يلحقها كالناطق للإنسان فان القوة التي تسمى نفسا ناطقة لما اقترنت بالمادة فصار الحيوان ناطقا استعد لقبول العلم والكتابة والتعجب والضحك وغير ذلك ليس ان واحدا منها اقترن بالحيوانية اولا فحصل للحيوان استعداد النطق بل هو السابق وهذه توابع وانه يحدث الاخرية وهى الغيرية ولا اقول لا يستلزمها بل لا يوجبها فان الضاحك مثلا وان وجب ان يكون مخالفا فى جوهره بما ليس بضاحك فليس كونه ضاحكا هو الذي اوقع هذا الخلاف الجوهرى بل لحق ثانيا بعد ان وقع الخلاف فى الجوهر بالنطق وفسره فى الإشارات بأنه الكلى الذي يحمل على الشي ء في جواب اى شي ء هو فى جوهره كما اذا سئل ان الإنسان اى شي ء هو فى ذاته او اى حيوان فى جوهره فالناطق يصلح للجواب عنهما وذو الابعاد وذو النفس والحساس عن الأول فان اى شي ء انما يطلب به التميز المطلق عن المشاركات فى معنى الشيئية او اخص منها فالقيد الاخير وهو قولنا فى جوهره يخرج الخاصة لأنها لا تميز الشي ء فى جوهره بل فى عرضه فالطالب باى شي ء ان طلب الذاتى المميز عن مشاركاته فالمقول فى جوابه الفصل وان طلب العرضى المميز فالجواب الخاصة والقيد الأول وهو قولنا فى جواب اى شي ء يخرج الجنس والنوع والعرض العام لأن الجنس والنوع يقالان فى جواب ما هو والعرض العام لا يقال فى الجواب اصلا وفيه بحث لأنه ان اعتبر التميز عن جميع الاغيار يخرج عن التعريف الفصل البعيد وان اكتفى بالتميز عن البعض فالجنس ايضا مميز الشي ء عن البعض فيدخل فيه ويمكن ان يجاب عنه بان المراد من المقول فى جواب اى شي ء المميز الذي لا يصلح لجواب ما هو وحينئذ يخرج الجنس عن التعريف الا انه يلزم اعتبار العرض العام فى جواب اى شي ء وهم مصرحون بخلافه وفسره فى الشفاء بأنه الكلى المقول على النوع فى جواب اى شي ء هو فى ذاته من جنسه فاذا سئل عن الإنسان باى شي ء هو فى ذاته من الحيوان او الجسم النامى كان الجواب الناطق او الحساس فالتفسير الأول اعم لان كل ما يقال على النوع فى جواب اى شي ء هو فى ذاته من جنسه مقول عليه فى جواب اى شي ء هو فى جوهره من غير عكس كفصل ما لا جنس له وهذا التفسير باطل لأنه يبطل حصر جزء الماهية فى الجنس والفصل لجواز تركب ماهية من امرين يساويانها وامور تساويها فليس كل منها جنسا ولا فصلا بهذا التفسير اذ لا جنس لها وهو لا يرد على التفسير الأول لأن كلا منهما فصل للماهية بذلك التفسير ضرورة انهما يميز انها عما يشاركها فى الوجود وان لم يميزاها عما يشاركها فى الجنس وبهذا الاحتمال يبطل تفسير الإمام الفصل بكمال الجزء المميز اى المميز الذي لا يكون للماهية ورائه حد ذاتي مميز فان كلا منهما فصل وليس بكمال المميز بل الكمال مجموعهما ويبطل ايضا قاعدة لهم وهى ان الجنس العالى لا يجوز ان يكون له فصل مقوم ظنا منهم انه لو كان له فصل لكان له جنس فلا يكون جنسا عاليا وذلك لجواز ان يتركب الجنس العالى من امرين يساويانه وحينئذ يكون كل منهما فصلا له لا يقال لو فرضت ماهية مركبة من امرين يساويانها لم يكن كل منهما فصلا لها لانهم اعتبروا فى الفصل احد معان ثلاثة تميز الماهية وتعيين شي ء مبهم كالجنس وتحصيل وجود غير محصل كالوجود الجنسى ولا شي ء من هذه المعانى يتحقق فى احد الأمرين اما انه لا يفيد التعين والتحصيل فظاهر لعدم اشتمالها على امر مبهم غير محصل واما انه لا يفيد التميز فلأن هذه الماهية لما لم يشارك غيرها فى شي ء منها كانت مغايرة بذاتها لجميع الماهيات ممتازة عنها بنفسها فلم يحتج الى تميز كما ان البسائط حيث لم يشارك غيرها امتازت بنفسها عن الغير وايضا كما ان جزئها يمتاز بنفسه عن مشاركاتها فى الوجود اذ لا مشاركة للغير فى ذاته كذلك الماهية غير مشاركة للغير اصلا فيكون ممتازة بنفسها واذا كانا ممتازين بانفسهما لم يكن احدهما بان يميز الأخر اولى من العكس وايضا تميز الجزء ليس اثرا يحصل منه بل معناه تميز العقل الماهية بواسطة حصوله فيه فان من شان الجزء المختص انه اذا حصل فى العقل امتازت الماهية عنده عن غيرها واطلاق المميز على الجزء اطلاق لاسم الشي ء على آلته فالماهية تمتاز عند العقل بواسطة الجزء اذا عقل اختصاصه بالماهية وتعقل الاختصاص يتوقف على تعقل الماهية الممتازة بنفسها عن غيرها فيكون تميز الجزء متأخرا عن امتياز الماهية فلا يقع الامتياز به لأنا نقول المدعى احد الأمرين وهو اما بطلان الانحصار او بطلان التعريفين والقاعدة وذلك لأن كلا من الأمرين ان لم يكن فصلا بطل الانحصار وان كان فصلا بطل التعريفان والقاعدة ولا مخلص عنه الا بان يقال ان اردتم بجواز ماهية كذلك امكانها فى نفس الأمر فهو مم فان من الناس من ذهب الى امتناعها وان اردتم به الامكان الذهنى فكيف يمكنكم ابطال القواعد به نعم
صفحة ٩٠