لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَنَهَبَ أَمْوَالَ الْحَاجِّ، وَقَتَلُوهُمْ حَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَفِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَقَلَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَأَنْفَذَهُ إِلَى هَجَرَ، وَطَرَحَ الْقَتْلَى فِي زَمْزَمٍ، وَقَلَعَ بَابَ الْكَعْبَةِ.
وَالْقِرْمِطُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ قَصِيرًا مُجْتَمِعَ الْخَلْقِ، أَسْمَرَ كَرِيهَ الْمَنْظَرِ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ قِرْمِطِيٌّ، وَالْجَنَّابِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ نِسْبَةً إِلَى جَنَّابَةَ، وَهِيَ بَلْدَةٌ مِنْ أَعْمَالِ فَارِسَ، مُتَّصِلَةٌ بِالْبَحْرَيْنِ عِنْدَ سِيرَافَ، وَالْقَرَامِطَةُ مِنْهَا، فَنُسِبُوا إِلَيْهَا، وَلَهُمْ فِي دَعْوَتِهِمْ مَرَاتِبُ (الزُّرْقِ)، وَهُوَ التَّفَرُّسُ فِي حَالِ الْمَدْعُوِّ، هَلْ هُوَ قَابِلٌ أَمْ لَا؟ وَلِذَلِكَ مَنَعُوا إِلْقَاءَ الْبَذْرِ فِي السَّبْخَةِ، وَالتَّكَلُّمَ فِي بَيْتٍ فِيهِ سِرَاجٌ أَيْ فَقِيهٌ، ثُمَّ (التَّأْنِيسُ) بِاسْتِمَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَمِيلُ إِلَيْهِ مِنْ زُهْدٍ وَخَلَاعَةٍ، ثُمَّ (التَّشْكِيكُ) فِي أَرْكَانِ الشَّرِيعَةِ بِمُقَطَّعَاتِ السُّوَرُ، وَقَضَاءِ صَوْمِ الْحَائِضِ دُونَ صَلَاتِهَا، وَالْغُسْلِ مِنَ الْمَنِيِّ دُونَ الْبَوْلِ ; لِتَتَعَلَّقَ الْقُلُوبُ بِمُرَاجَعَتِهِمْ فِيهَا، ثُمَّ (الرَّبْطُ) وَهُوَ أَخْذُ الْمِيثَاقِ مِنْهُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ أَنْ لَا يُفْشِيَ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَحَوَالَتُهُ عَلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (التَّدْلِيسُ) وَهُوَ دَعْوَى مُوَافَقَةِ أَكَابِرِ الدِّينِ لَهُمْ حَتَّى يَزْدَادَ مَيْلُهُمْ، ثُمَّ (التَّأْسِيسُ) وَهُوَ تَمْهِيدُ مُقَدَّمَاتٍ يَقْبَلُهَا الْمَدْعُوُّ، ثُمَّ (الْخَلْعُ) وَهُوَ الطُّمَأْنِينَةُ إِلَى إِسْقَاطِ وُجُوبِ الْأَفْعَالِ الْبَدَنِيَّةِ، ثُمَّ (السَّلْخُ) عَنِ الِاعْتِقَادَاتِ، وَحِينَئِذٍ يَأْخُذُونَ فِي الْإِبَاحَةِ وَاسْتِعْجَالِ اللَّذَّاتِ وَتَأْوِيلِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ: ذَكَرَ الْكَاشِفُونَ لِأَسْرَارِ الْقَرَامِطَةِ، وَالْهَاتِكُونَ لِأَسْتَارِهِمْ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَطَوَائِفَ كَثِيرَةٍ، مَا وَجَدْنَا مِصْدَاقَهُ فِي كُتُبِ الْقَرَامِطَةِ، أَنَّهُمْ وَضَعُوا لِأَنْفُسِهِمُ اصْطِلَاحَاتٍ، رَوَّجُوهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَقْصُودُهُمْ بِهَا مَقْصُودُ الْفَلَاسِفَةِ الصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ الثَّنَوِيَّةُ، كَقَوْلِهِمُ: السَّابِقُ وَالتَّالِي، يَعْنُونَ بِهِ الْعَقْلَ وَالنَّفْسَ، وَيَقُولُونَ هُوَ اللَّوْحُ وَالْقَلَمُ، قَالَ: وَأَصْلُ دِينِهِمْ مَأْخُوذٌ مِنْ دِينِ الْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ، وَمِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا مَوْجُودٌ وَلَا مَعْدُومٌ، وَرُبَّمَا خَلَطُوا كَلَامَهُمْ بِكَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ، وَقَدْ دَخَلَ كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْقَرْمَطَةِ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ
1 / 84