43

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

الناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

دمشق

لِمَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَأَثْبَتَ الْقِدَمَ لِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ عِنْدَ قَوْلِنَا: وَضَلَّ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالْقِدَمْ.
[وجود الخلق دليل وجود الخالق]
«دَلَّتْ عَلَى وُجُودِهِ الْحَوَادِثُ ... سُبْحَانَهُ فَهْوَ الْحَكِيمُ الْوَارِثُ»
«دَلَّتْ» دَلَالَةً عَقْلِيَّةً قَطْعِيَّةً (عَلَى وُجُودِهِ) ﷾ (الْحَوَادِثُ) جَمْعُ حَادِثٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَدِيمِ، وَالدَّلَالَةُ هِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ بِشَيْءٍ آخَرَ، أَوْ مِنَ الظَّنِّ بِهِ الظَّنُّ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى دَلِيلًا بُرْهَانِيًّا، وَبُرْهَانًا إِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُ الظَّنُّ، وَإِلَّا فَدَلِيلًا إِقْنَاعِيًّا وَأَمَارَةً، وَالشَّيْءُ الثَّانِي يُسَمَّى مَدْلُولًا. ثُمَّ الدَّالُّ إِنْ كَانَ لَفْظًا فَالدَّلَالَةُ لَفْظِيَّةٌ، وَإِلَّا فَغَيْرُ لَفْظِيَّةٍ، فَإِنْ تَوَسَّطَ الْوَضْعُ فِيهَا كَالْخُطُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْإِشَارَةِ وَالنُّصْبِ فَوَضْعِيَّةٌ وَإِلَّا فَعَقْلِيَّةٌ، كَدَلَالَةِ الْعَالَمِ عَلَى الصَّانِعِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْحَوَادِثَ مَوْجُودَةٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَادِثَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِقَدِيمٍ، وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ مَوْجُودَةٌ، وَأَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوَاجِبٍ. فَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَدَلِيلُهَا مَا يُشَاهَدُ مِنْ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّا نُشَاهِدُ حُدُوثَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ، وَحَوَادِثَ الْجَوِّ كَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ

1 / 43