لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، قَالَ: وَأَطْلَقَ الْحُلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِ مَنْعَ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَاسْتَدَلُّوا لِتَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ بِأَمْرِهِ ﷾ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ.
وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ لَمَّا نَزَلَ فِي آلِ عِمْرَانَ " ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٩٠] " الْآيَاتِ قَالَ ﷺ: " «وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهُنَّ وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُنَّ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ» ".
وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَحْصُلُ بِتَقْلِيدٍ لِجَوَازِ كَذِبِ الْمُخْبِرِ، وَاسْتِحَالَةِ حُصُولِهَا، كَمَنْ قَلَّدَ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ، وَكَمَنْ قَلَّدَ فِي قِدَمِهِ، وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ لَوْ أَفَادَ عِلْمًا، فَإِمَّا بِالضَّرُورَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ، فَيَسْتَلْزِمُ الدَّلِيلَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَاحْتِمَالِ الْخَطَأِ لِعَدَمِ مُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩] فَأَلْزَمَ الشَّارِعَ بِالْعِلْمِ، وَيَلْزَمُنَا نَحْنُ أَيْضًا؛ لِقَوْلِهِ: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨] .
فَتَعَيَّنَ طَلَبُ الْيَقِينِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، وَالتَّقْلِيدُ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَلِهَذَا قَالَ مُعَلِّلًا لِلْمَنْعِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ «لِأَنَّهُ» أَيِ الشَّأْنَ وَالْأَمْرَ وَالْقِصَّةَ «لَا يُكْتَفَى» فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ «بِالظَّنِّ» الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، فَالرَّاجِحُ هُوَ الظَّنُّ، وَالْمَرْجُوحُ الْوَهْمُ، فَلَا يُكْتَفَى بِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ «لِذِي» أَيْ لِصَاحِبِ «الْحِجَى» كَإِلَى أَيِ الْعَقْلِ وَالْفِطْنَةِ «فِي قَوْلِ أَهْلِ الْفَنِّ» مِنَ الْأَئِمَّةِ وَعُلَمَاءِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُتَكَلِّمَةِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: كُلُّ مَا يُطْلَبُ فِيهِ الْجَزْمُ يَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، وَالْأَخْذُ فِيهِ بِالظَّنِّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ، وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، قَالَ: فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ التَّحْرِيرِ: وَأَجَازَهُ - يَعْنِي فِي التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ - جَمْعٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ بِطَرِيقٍ فَاسِدٍ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَأَجَازَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلِهَا هَلْ نَظَرْتَ؟ وَسَمِعَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ التَّبَّانِ الْمُعْتَزِلِيِّ قَالَ: وَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِطَرِيقٍ فَاسِدٍ، وَقَالَ هَذَا الْمُعْتَزِلِيُّ: إِذَا عَرَفَ اللَّهَ، وَصَدَّقَ رَسُولَهُ، وَسَكَنَ قَلْبُهُ إِلَى ذَلِكَ، وَاطْمَأَنَّ بِهِ، فَلَا عَلَيْنَا مِنْ طَرِيقِ تَقْلِيدٍ كَانَ أَوْ نَظَرًا أَوِ اسْتِدْلَالًا، وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ «وَقِيلَ يَكْفِي» فِي أُصُولِ الدِّينِ «الْجَزْمُ»
1 / 268