لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، فَالْمُعَطِّلُ يَعْبُدُ عَدَمًا، وَالْمُمَثِّلُ يَعْبُدُ صَنَمًا، وَالْمُسَلِّمُ يَعْبُدُ إِلَهَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[التَّعْرِيفُ التاسع مَذْهَبُ السَّلَفِ هُوَ الْمَذْهَبُ الحق]
(التَّاسِعُ)
مَذْهَبُ السَّلَفِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ، وَالْحَقُّ الثَّابِتُ الْمَأْثُورُ، وَأَهْلُهُ هُمُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ، وَالطَّائِفَةُ الْمَرْحُومَةُ الَّتِي هِيَ بِكُلِّ خَيْرٍ فَائِزَةٌ، وَلِكُلِّ مَكْرُمَةٍ رَاجِيَةٌ، مِنَ الشَّفَاعَةِ وَالْوُرُودِ عَلَى الْحَوْضِ، وَرُؤْيَةِ الْحَقِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَلَامَةِ الصَّدْرِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَالتَّسْلِيمِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْخَالِفُونَ أَعْلَمَ مِنَ السَّالِفِينَ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَدَيْهِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ قَدْرَ السَّلَفِ، وَلَا عَرَفَ اللَّهَ - تَعَالَى - وَلَا رَسُولَهُ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ بِهِ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا مِنْ أَنَّ طَرِيقَةَ السَّلَفِ أَسْلَمُ، وَطَرِيقَةَ الْخَلَفِ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا أُتُوا مِنْ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ طَرِيقَةَ السَّلَفِ هِيَ مُجَرَّدُ الْإِيمَانِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ فِقْهِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّيِّينَ، وَأَنَّ طَرِيقَةَ الْخَلَفِ هِيَ اسْتِخْرَاجُ مَعَانِي النُّصُوصِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ حَقَائِقِهَا بِأَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ وَغَرَائِبِ اللُّغَاتِ، فَهَذَا الظَّنُّ الْفَاسِدُ أَوْجَبَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الَّتِي مَضْمُونُهَا نَبْذُ الْإِسْلَامِ وَرَاءَ الظُّهُورِ، وَقَدْ كَذَبُوا وَأَفَكُوا عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، وَضَلُّوا فِي تَصْوِيبِ طَرِيقَةِ الْخَلَفِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ بَاطِلَيْنِ: الْجَهْلِ بِطَرِيقَةِ السَّلَفِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِمْ، وَالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ بِتَصْوِيبِ طَرِيقَةِ غَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ (بَيَانِ فَضْلِ عِلْمِ السَّلَفِ عَلَى عِلْمِ الْخَلَفِ) مَا نَصُّهُ: " وَمِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ مَا أَحْدَثَهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ، مِنَ الْكَلَامِ فِي ذَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَصِفَاتِهِ بِأَدِلَّةِ الْعُقُولِ، وَهِيَ أَشَدُّ خَطَرًا مِنَ الْكَلَامِ فِي الْقَدَرِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَدَرِ كَلَامٌ فِي أَفْعَالِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيَنْقَسِمُ هَؤُلَاءِ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَنْ نَفَى كَثِيرًا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ; لِاسْتِلْزَامِهِ عِنْدَهُ التَّشْبِيهَ كَنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَالِاسْتِوَاءِ، وَهَذَا طَرِيقُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى تَبْدِيعِهِمْ وَتَضْلِيلِهِمْ، وَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالثَّانِي مَنْ رَامَ إِثْبَاتَ ذَلِكَ بِأَدِلَّةِ الْعُقُولِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِهَا الْأَثَرُ، وَرُدَّ عَلَى أُولَئِكَ
1 / 25