لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
الْمَعْدُومُ وَلَيْسَتْ هِيَ مُسْتَلْزِمَةً صِفَةَ ثُبُوتٍ، وَلِهَذَا قَالَ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ لِمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ فِي الْخَلْقِ: مَيِّزْ لَنَا بَيْنَ هَذَا الرَّبِّ الَّذِي تُثْبِتُهُ وَبَيْنَ الْمَعْدُومِ، انْتَهَى.
[التنبيه الثالث عبارة لعماد الدين الواسطي في تقريب الجملة]
(الثَّالِثُ) ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ عِمَادُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيُّ الصُّوفِيُّ الْمُحَقِّقُ الْعَارِفُ، تِلْمِيذُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُمَا، الَّذِي قَالَ فِيهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إِنَّهُ جُنَيْدُ زَمَانِهِ - فِي رِسَالَتِهِ نَصِيحَةِ الْإِخْوَانِ مَا حَاصِلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالِاسْتِوَاءِ، هُوَ أَنَّ اللَّهَ ﷿ كَانَ وَلَا مَكَانَ، وَلَا عَرْشَ، وَلَا مَاءَ، وَلَا فَضَاءَ، وَلَا هَوَاءَ، وَلَا خَلَاءَ، وَلَا مَلَأَ، وَإِنَّهُ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي قِدَمِهِ وَأَزَلِيَّتِهِ، مُتَوَحِّدًا فِي فَرْدَانِيَّتِهِ، لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ فَوْقَ كَذَا إِذَا لَا شَيْءَ غَيْرُهُ، هُوَ تَعَالَى سَبَقَ التَّحْتَ وَالْفَوْقَ اللَّذَيْنِ هُمَا جِهَتَا الْعَالَمِ، وَهُوَ لَا زَمَانَ لَهُ تَعَالَى، هُوَ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْفَرْدَانِيَّةِ مُنَزَّهٌ عَنْ لَوَازِمِ الْحَدَثِ وَصِفَاتِهِ، فَلَمَّا اقْتَضَتِ الْإِرَادَةُ الْمُقَدَّسَةُ خَلْقَ الْأَكْوَانِ وَجَعْلَ جِهَتِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ، وَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْكَوْنُ فِي جِهَةِ التَّحْتِ لِكَوْنِهِ مَرْبُوبًا مَخْلُوقًا، وَاقْتَضَتِ الْعَظَمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ أَنْ يَكُونَ هُوَ تَعَالَى فَوْقَ الْكَوْنِ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ لَا بِاعْتِبَارِ فَرْدَانِيَّتِهِ، إِذَا لَا فَوْقَ فِيهَا وَلَا تَحْتَ، وَالرَّبُّ ﷾ كَمَا كَانَ فِي قِدَمِهِ وَأَزَلِيَّتِهِ وَفَرْدَانِيَّتِهِ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي قِدَمِهِ وَأَزَلِيَّتِهِ فَهُوَ الْآنَ كَمَا كَانَ، لَمَّا أَحْدَثَ الْمَرْبُوبَ الْمَخْلُوقَ ذَا الْجِهَاتِ وَالْحُدُودِ، وَالْخَلَا وَالْمَلَا، ذَا الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ، كَانَ مُقْتَضَى حُكْمِ الْعَظَمَةِ الرَّبَوِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ مُلْكِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْمَمْلَكَةُ تَحْتَهُ بِاعْتِبَارِ الْحُدُوثِ مِنَ الْكَوْنِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقِدَمِ مِنَ الْمُكَوِّنِ، فَإِذَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُشَارَ مِنْ جِهَةِ التَّحْتِيَّةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْيَمْنَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْيَسْرَةِ بَلْ لَا يَلِيقُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ، ثُمَّ الْإِشَارَةُ هِيَ بِحَسَبِ الْكَوْنِ وَحُدُوثِهِ وَأَسْفَلِهِ فَالْإِشَارَةُ تَقَعُ عَلَى أَعْلَى جُزْءٍ مِنَ الْكَوْنِ حَقِيقَةً، وَتَقَعُ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَلِيقُ بِهِ لَا كَمَا يَقَعُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَحْسُوسَةِ عِنْدَنَا فِي أَعْلَى جُزْءٍ مِنَ الْكَوْنِ فَإِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى جِسْمٍ وَتِلْكَ
1 / 210