207

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

الناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

دمشق

تصانيف

Creeds and Sects
الْمَعَانِ الْمُتَشَابِهَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَقَدْ وَقَعَ بَنُو آدَمَ فِي عَامَّةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّلَالَاتِ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ بِمَنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَالتَّوْحِيدَ وَالْعِرْفَانَ مِنْهُمْ إِلَى أَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الرَّبِّ بِوُجُودِ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَهَذَا غَايَةُ الضَّلَالِ وَالْهَذَيَانِ.
ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ عَنْ رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ سَوَاءٌ عَرَفْنَا مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ نَعْرِفْ، لِأَنَّهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، فَمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ الْإِيمَانُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، مَعَ أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُوجَدُ عَامَّتُهُ مَنْصُوصًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَلْ وَلَا لَهُ أَنْ يُوَافِقَ أَحَدًا عَلَى إِثْبَاتٍ لَفْظٍ أَوْ نَفْيِهِ، حَتَّى يَعْرِفَ مُرَادَهُ، فَإِنْ أَرَادَ حَقًّا قُبِلَ، وَإِنْ أَرَادَ بَاطِلًا رُدَّ، وَإِنِ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ لَمْ يُقْبَلْ مُطْلَقًا وَلَمْ يُرَدَّ جَمِيعُ مَعْنَاهُ، بَلْ يُوقَفُ اللَّفْظُ، وَيُفَسَّرُ الْمَعْنَى.
قَالَ: كَمَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ، فَلَفْظُ الْجِهَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ اللَّهِ، فَيَكُونُ مَخْلُوقًا كَمَا إِذَا أُرِيدَ بِالْجِهَةِ نَفْسُ الْعَرْشِ، أَوْ نَفْسُ السَّمَاوَاتِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إِذَا أُرِيدَ بِالْجِهَةِ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ وَالْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّصِّ إِثْبَاتُ لَفْظِ الْجِهَةِ وَلَا نَفْيُهُ كَمَا فِيهِ إِثْبَاتُ الْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالْعُرُوجِ إِلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ إِلَّا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ، وَالْخَالِقُ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقِ ﷾، لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ فَاللَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ، أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ بَائِنٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِي جِهَةٍ أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ، أَوْ تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِنْ أَرَدْتَ الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ، وَإِنْ أَرَدْتَ الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمُتَحَيِّزِ إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَحُوزُهُ الْمَخْلُوقَاتُ، فَاللَّهُ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ، قَدْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:

1 / 207