لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
Creeds and Sects
تَتَعَرَّضُ لِمَعْنَاهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ﵁ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الِاسْتِوَاءِ، فَقَالَ: آمَنْتُ بِلَا تَشْبِيهٍ، وَصَدَّقْتُ بِلَا تَمْثِيلٍ، وَاتَّهَمْتُ نَفْسِي فِي الْإِدْرَاكِ، وَأَمْسَكْتُ عَنِ الْخَوْضِ غَايَةَ الْإِمْسَاكِ.
وَعَنْ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ ﵁ أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الِاسْتِوَاءِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: اسْتَوَى كَمَا ذَكَرَ، لَا كَمَا يَخْطُرُ لِلْبَشَرِ.
فَمَعْنَى قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ فِي الْحَدِيثِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهَا مِنَ الْأَئِمَّةِ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ أَيْ وَصَفَهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ (اسْتَوَى) اسْتِوَاءٌ مَعْلُومٌ بِطَرِيقِ النَّقْلِ الثَّابِتِ بِالتَّوَاتُرِ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ أَمْرٍ يَعُودُ إِلَى الْكَيْفِيَّةِ فَمَجْهُولٌ، وَالْجَهَالَةُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَنَا إِلَى مَعْرِفَةِ الْكَيْفِيَّةِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمَاهِيَّةِ.
وَقَوْلُهُمْ " وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدَعَةٌ " لِأَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَالتَّابِعِينَ لَمْ يَسْأَلُوا الصَّحَابَةَ، وَلِأَنَّ جَوَابَهُ يَتَضَمَّنُ الْكَيْفِيَّةَ.
وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ لِمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّبْهَةُ طَالِبِينَ بِسُؤَالِهِمُ التَّكْيِيفَ: وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، فَالَّذِي ثَبَتَ نَفْيُهُ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ، إِنَّمَا هُوَ عِلْمُ الْعِبَادِ بِالْكَيْفِيَّةِ، فَعِنْدَهَا تَنْقَطِعُ الْأَطْمَاعُ، وَعَنْ دَرْكِهَا تَقْصُرُ الْعُقُولُ.
وَالْوُقُوفُ عَلَى دَرَجِ سُلَّمِ التَّسْلِيمِ مُنْتَهَى هِمَمِ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي تَتِمَّةِ نَظْمِهِ مُلَوِّحًا بِالرَّدِّ عَلَى الْمُمَثِّلِ وَالْمُعَطِّلِ بِقَوْلِهِ «قَدْ تَعَالَى» اللَّهُ عَلَا وَجَلَّ، وَلَسْنَا فِي اتِّبَاعِ الْمَأْثُورِ مَعَ التَّسْلِيمِ لِلْمَوْلَى الْحَكِيمِ عَلَى وَجَلٍ، فَإِنَّا نَقْتَفِي أَثَرَ الْمَأْثُورِ، وَنُشْهِرُ سُيُوفَ السُّنَّةِ لِأَعْنَاقِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالنَّفْيِ بِاتِّبَاعِ الْمَشْهُورِ، وَنَرُدُّ عَلَى كُلِّ مَنْ أَلْحَدَ
1 / 200