195

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

الناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

دمشق

تصانيف

Creeds and Sects
فَيَقُولُونَ إِنَّ الرُّسُلَ كَلَّمُوا الْخَلْقَ بِخِلَافِ مَا هُوَ الْحَقُّ وَأَظْهَرُوا لَهُمْ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ، وَرُبَّمَا يَقُولُونَ إِنَّهُمْ كَذَبُوا لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الْعَامَّةِ لَا تَقُومُ إِلَّا بِإِظْهَارِ الْإِثْبَاتِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَاطِلًا.
هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الزَّنْدَقَةِ الْبَيِّنَةِ وَالْكُفْرِ الْوَاضِحِ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ، وَالرُّسُلُ مِنْ جِنْسِ رُؤَسَائِكُمْ لَكَانَ خَوَاصُّ الرُّسُلِ يَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكَانُوا يُطْلِعُونَ خَوَاصَّهُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، فَكَانَ يَكُونُ النَّفْيُ مَذْهَبَ خَاصَّةِ الْأُمَّةِ وَأَكْمَلِهَا عَقْلًا وَعِلْمًا وَمَعْرِفَةً، وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ مِنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَجَدَ أَعْلَمَ الْأُمَّةِ عِنْدَ الْأُمَّةِ كَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ ﵃ أَجْمَعِينَ - هُمْ أَعْظَمُ الْخَلْقِ إِثْبَاتًا.
وَكَذَلِكَ أَفَاضِلُ التَّابِعِينَ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُمْ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ وَأَمْثَالُهُمْ، بَلِ الْمَنْقُولُ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ يَجْبُنُ عَنْ إِظْهَارِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَأَوَّلَ يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ، وَصَاحِبُهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ مَا يُرْوَى أَنَّ مِنَ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللَّهِ فَإِذَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُنْكِرْهُ إِلَّا أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ، تَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى مَا جَاءَ مِنَ الْإِثْبَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنِ الرَّسُولِ وَالسَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ بِخِلَافِ النَّفْيِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ عَنْهُمْ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ
وَقَدْ جَمَعَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ مِنَ الْمَنْقُولِ عَنِ السَّلَفِ فِي الْإِثْبَاتِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ عَنْهُمْ فِي النَّفْيِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي يَنْقُلُهَا مَنْ هُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ كَلَامِهِمْ
[قُلْتُ] وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنَ التَّصْنِيفِ، وَأَجْلَبُوا بِخَيْلِهِمْ وَرَجْلِهِمْ مِنَ التَّأْلِيفِ، فِي ثُبُوتِ الْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ وَنَبَّهُوا عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَاتِ وَالْحَدِيثِ وَمَا حَوَى، فَمِنْهُمُ الرَّاوِي الْأَخْبَارَ بِالْأَسَانِيدِ، وَمِنْهُمُ الْحَاذِفُ لَهَا، وَأَتَى بِكُلِّ مُفِيدٍ، وَمِنْهُمُ الْمُطَوِّلُ الْمُسْهِبُ، وَمِنْهُمُ الْمُخْتَصِرُ وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْمُهَذِّبُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعُلُوِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَالْعُلُوِّ لِلْإِمَامِ

1 / 195