لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
، وَاعْتِقَادِ الْمُمَثِّلَةِ، «قَدِ اسْتَوَى» عَلَى عَرْشِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِذَاتِهِ «كَمَا وَرَدَ» فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالنُّصُوصِ السَّلَفِيَّةِ، مِمَّا لَا يُحْصَى وَيَتَعَذَّرُ أَنْ يُسْتَقْصَى، فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ عَامَّةُ كَلَامِ الصَّحَابَةِ ﵃ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ كَلَامُ سَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ مِمَّنْ تُلْوَى عَلَى كَلَامِهِمُ الْخَنَاصِرُ، وَلَا يُنَازِعُ فِيهِ إِلَّا كُلُّ مُعَانِدٍ وَمُكَابِرٍ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الْجُيُوشِ الْإِسْلَامِيَّةِ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ. وَذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ - يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ - ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [السجدة: ٤ - ٦] تَأَمَّلْ مَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الرَّدِّ عَلَى طَوَائِفِ الْمُعَطِّلِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَقَوْلُهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ قَوْلِ الْمَلَاحِدَةِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، بَلْ مَنْ أَثْبَتَ مِنْهُمْ وُجُودَ الرَّبِّ جَعَلَهُ لَازِمًا لِذَاتِهِ أَزَلًا أَبَدًا كَمَا يَقُولُ ابْنُ سِينَا، وَالنُّصَيْرُ الطُّوسِيُّ، وَأَتْبَاعُهُمَا مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الْجَاحِدِينَ لِمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَالْكُتُبُ وَشَهِدَتْ بِهِ الْعُقُولُ وَالْفِطَرُ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ: يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ قَوْلِ الْمُعَطِّلَةِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ سِوَى الْعَدَمِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَلَا رُفِعَ الْمَسِيحُ إِلَيْهِ، وَلَا عُرِجَ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَيْهِ، وَلَا تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ جِبْرِيلُ بِوَحْيِهِ لِمَنْ يُوحِي إِلَيْهِ - إِلَخْ كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٩] وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
1 / 190