لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
Creeds and Sects
الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ (رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ): إِنَّمَا سُمِّيَتْ خُلَّةً لَتَخَلُّلِ الْمَحَبَّةِ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الرُّوحِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ... وَبِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلًا
قَالَ: وَالْخَلِيلُ الصَّدِيقُ، وَالْأُنْثَى خَلِيلَةٌ، وَالْخِلَالَةُ مُثَلَّثَةً الصَّدَاقَةُ وَالْمَوَدَّةُ. «مُطْلَقًا» عَنِ التَّقْيِيدِ بِوَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ بَلْ يَعُمُّهَا جَمِيعَهَا.
[متعلق السمع والبصر]
«وَسَمْعُهُ سُبْحَانَهُ»
وَتَعَالَى «كَالْبَصَرِ» مِنْهُ جَلَّ شَأْنُهُ، فَسَمْعُهُ تَعَالَى يَتَعَلَّقُ «بِكُلِّ» شَيْءٍ «مَسْمُوعٍ وَ» بَصَرُهُ ﷾ يَتَعَلَّقُ بِ «كُلِّ» شَيْءٍ «مُبْصَرٍ» فَهُوَ تَعَالَى سَمِيعٌ بَصِيرٌ كَمَا تَقَدَّمَ، يَسْمَعُ بِسَمْعٍ وَبَصَرٍ قَدِيمَيْنِ ذَاتِيَّيْنِ وُجُودِيَّيْنِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِكُلِّ مَسْمُوعٍ وَمُبْصَرٍ، كَمَا ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا وَأَسْنَدُوهُ إِلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ﵁ يَعْنِي أَنَّ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مُتَّحِدَتَا التَّعَلُّقِ فَتَتَعَلَّقَانِ بِالْمَوْجُودِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُمْكِنًا، عَيْنًا كَانَ أَوْ مَعْنًى، كُلِّيًّا كَانَ أَوْ جُزْئِيًّا، مُجَرَّدًا كَانَ أَوْ ذَا مَادَّةٍ، مُرَكَّبًا أَوْ بَسِيطًا، لَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّحَادِ الصِّفَةِ اتِّحَادُ الْمُتَعَلَّقِ، فَالْبَصَرُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمُبْصَرَاتِ، وَالسَّمْعُ يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْأَصْوَاتِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ في مبحث القرآن]
[فَصْلٌ فِي مَبْحَثِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالْكَلَامِ الْمُنَزَّلِ الْقَدِيمِ]
اعْلَمْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ ﷺ مَا نَزَلَ قَطْرٌ وَهَطَلَ، فَمَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْأَثَرِ هُوَ مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ «وَأَنْ» أَيْ نَجْزِمُ وَنَتَحَقَّقُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ وَاحِدُ الْبَيْتِ وَمَا بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ، وَالْمَلْزُومُ اعْتِمَادُهُ، بِأَنَّ «مَا» أَيِ الْوَحْيُ وَالْكَلَامُ الَّذِي «جَاءَ» مِنَ اللَّهِ «مَعَ جِبْرِيلَ» الْمَلَكِ الْمُكَرَّمِ أَمِينِ اللَّهِ عَلَى وَحْيِهِ لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَفِيهِ لُغَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: جِبْرَائِيلُ «وَجَبْرَئِيلُ» كَجَبْرَعِيلَ وَكَحَزْقِيلَ كَمَا فِي النَّظْمِ وَجَبْرِينُ بِنُونٍ وَغَيْرِهَا.
«مِنْ مُحْكَمِ الْقُرْآنِ» الْعَظِيمِ «وَ» مُحْكَمِ «التَّنْزِيلِ» الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ الْفَضِيلِ الْمَلَكِ الْمُعَظَّمِ جِبْرِيلَ فَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ «كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ» وَتَعَالَى «قَدِيمٌ»، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ
1 / 161