لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

محمد بن أحمد السفاريني ت. 1188 هجري
117

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

الناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

دمشق

وَيَعْرِفُوا الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ وَسِوَاهُ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنْ نَحَا مَنْحَاهُمْ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي ضِمْنِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ مِنْ قَصْدِ الْإِضْلَالِ، وَعَدَمِ النُّصْحِ، وَمُنَاقَضَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَقَدْ تَظَاهَرَ هَؤُلَاءِ بِنَصْرِ السُّنَّةِ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا، وَلَا لِلْفَلَاسِفَةِ كَسَرُوا، بَلْ فَتَحُوا لِأَهْلِ الْإِلْحَادِ الْبَابَ، وَسَلَّطُوا الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ مِنْ ذَوِي الْفَسَادِ عَلَى الْإِلْحَادِ فِي السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ. (وَأَهْلُ التَّجْهِيلِ) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَعْرِفْ مَعَانِيَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ، وَلَا جِبْرِيلُ يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْآيَاتِ، وَلَا السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ عَرَفُوا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ، فَيَقُولُونَ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا: لَا يَعْلَمُ مَعْرِفَتَهَا إِلَّا اللَّهُ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧]، وَيَقُولُونَ: تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا، وَظَاهِرُهَا مُرَادٌ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ لَهَا تَأْوِيلًا بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الْحَمَوِيَّةِ ": التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي يَئُولُ الْكَلَامُ إِلَيْهَا، فَتَأْوِيلُ الصِّفَاتِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي انْفَرَدَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِعِلْمِهَا، وَهُوَ الْكَيْفُ الْمَجْهُولُ الَّذِي قَالَ فِيهِ السَّلَفُ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، فَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِوَاءِ مَثَلًا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا. (تَنْبِيهٌ): اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْبَارِي - جَلَّ شَأْنُهُ، فَأَثْبَتَهَا أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ نَفْيٍ لَهَا وَلَا لِبَعْضِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ. وَأَثْبَتَ الْمُتَكَلِّمُونَ بَعْضَهَا مِنَ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَيُسَمُّونَهَا الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ، وَمَا عَدَاهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَالسُّلُوبِ وَنَحْوِهَا فَحَادِثَةٌ عِنْدَهُمْ. وَذَهَبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْفَلَاسِفَةُ وَأَكْثَرُ فِرَقِ أَهْلِ الضَّلَالِ إِلَى نَفْيِهَا كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُ بَعْضِ قَوْلِ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ، نَعَمْ، الْمُعْتَزِلَةُ تُثْبِتُ لَهُ - تَعَالَى - الْأَسْمَاءَ دُونَ الصِّفَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

1 / 117