لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
Creeds and Sects
وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنْوَاعِ الرِّزْقِ وَالْهُدَى وَالْمَسَرَّاتِ دَلِيلٌ عَلَى رَحْمَةِ الْخَالِقِ - سُبْحَانَهُ، وَالْقُرْآنُ يُثْبِتُ دَلَائِلَ الرُّبُوبِيَّةِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ، تَارَةً يَدُلُّهُمْ بِالْآيَاتِ الْمَخْلُوقَةِ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ، وَيُثْبِتُ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحَيَاتَهُ، وَتَارَةً يَدُلُّهُمْ بِالنِّعَمِ وَالْآلَاءِ عَلَى وُجُودِ بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ الْمُسْتَلْزِمِ رَحْمَتَهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ [البقرة: ٢١ - ٢٢] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ ذِكْرِ تَعْدَادِ أَنْوَاعِ النِّعَمِ: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: ١٣]، وَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ حِكْمَتِهِ - تَعَالَى - وَمَحَبَّتِهِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَيْهَا حِكْمَةُ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، مِمَّا يُعْلَمُ بِالسَّمْعِ وَبِالْعَقْلِ أَيْضًا، كَمَا تُعْلَمُ إِرَادَتُهُ - تَعَالَى - (بِهِمَا)، وَسَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُحِبُّ وَيُحَبُّ، وَهُوَ قَوْلُ شُيُوخِ (أَهْلِ) الْمَعْرِفَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» ". إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ (فَعِقْدُنَا) مَعْشَرَ الْأَثَرِيَّةِ الَّذِي نَعْقِدُ عَلَيْهِ، وَنَهْجُنَا الَّذِي نَسْلُكُهُ وَنَذْهَبُ إِلَيْهِ، (الْإِثْبَاتُ) لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ، (يَا خَلِيلِي) مِنَ الْخُلَّةِ، وَهِيَ نِهَايَةُ الْمَحَبَّةِ وَخُلَاصَتُهَا، بِحَيْثُ أَنَّهَا تَخَلَّلَتِ الْأَعْضَاءَ وَالْمَفَاصِلَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَلِيلِ هُنَا الْمُوَافِقُ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ، السَّائِلُ عَنْ مِنْهَاجِهِ وَدَقَائِقِهِ وَأُمَّهَاتِ مَسَائِلِهِ وَحَقَائِقِهِ، فَإِنَّا نَدِينُ لِلَّهِ - تَعَالَى - بِإِثْبَاتِ مَا جَاءَتْ بِهِ الْآيَاتُ وَصَحِيحُ الرِّوَايَاتِ، وَسَلَكَتْهُ الْأَئِمَّةُ السَّادَاتُ (مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ) لَهَا عَنْ حَقَائِقِهَا وَنَفْيِهَا مَعَ صِحَّةِ مَخَارِجِهَا، بَلْ نُثْبِتُهَا وَنُؤْمِنُ بِهَا، وَلَا تَشْبِيهَ فِي مُجَرَّدِ إِثْبَاتِهَا، (وَلَا) أَيْ: وَمِنْ غَيْرِ (تَمْثِيلٍ) لَهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِ، بَلْ إِثْبَاتٌ بِلَا تَمْثِيلٍ، وَتَنْزِيهٌ بِلَا تَعْطِيلٍ، فَالْمُمَثِّلُ يَعْبُدُ صَنَمًا، وَالْمُعَطِّلُ يَعْبُدُ عَدَمًا، وَالْمُثْبِتُ الْمُسَلِّمُ يَعْبُدُ رَبَّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، الْمَنْعُوتَ بِنُعُوتِ الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ. وَعِنْدَنَا مَعْشَرَ السَّلَفِ وَمَنْ نَحَا مَنْحَانَا مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ.
1 / 101