هذا، فرجحت الإجابة على الامتناع، على قصر الباع، وقلة المتاع؛ لما ورد في السنة والقرآن، من تحتم التبليغ والبيان، /16 والوعيد الشديد على الكتمان، وامتثالا لأمثال قوله عز وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى } [المائدة:2]، ولما شاهدت من تقاعد الهمم، وانحلال العزايم، وإنهدام المعالم، حتى كاد يندرس الأثر، وينطمس الخبر والخبر.
وما سببه إلا تثاقل الأتباع، وتكاسل الأشياع، عن الحفظ لآثار أئمتهم، وأعلام ملتهم، لاسيما في هذه الأعصار، حثالة الحثالة، التي استحكمت فيها أدواء الجهالة؛ فإنك قد ترى العالم المتصدر لايعرف كثيرا من أسماء أئمته، فضلا عن تحقيق أحوالهم ومؤلفاتهم، فضلا عن حفظ أسانيدهم ومروياتهم.
ولقد تصدى بعض من لاتحقيق لهم لرسم شيء من ذلك، فركبوا متن عمياء، وخبطوا خبط عشواء، وأتوا بما ينقضي عنده العجب، من التخاليط الواضحة، والأغاليط الفاضحة، في أقوال الأئمة والعلماء، وفي أسمائهم وأنسابهم، مع الإهمال للكثير الطيب، لاسيما من كان من أهل هذا القطر بشمال اليمن؛ فإنهم يعرضون عن أعلامهم، ويتركونهم كأنهم في منقطع الأرض، أو من خلف السد، مع أن عمدتهم النقل عن كتب المنحرفين عن العترة الزكية، المعرضين عن علومهم، المقبلين على طرائق خصومهم، ميلا إلى الهوى وعدولا عن السواء؛ ولكنه ينفق في سوق الرعاع، ولا يدرون أصابوا أم أخطأوا لعدم الاطلاع.
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا .... ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها .... كلاها وحتى سامها كل مفلس
والله المطلع أنا لانحب الكلام في مثل هذا، بل يسوءنا، ويثقل كل الثقل علينا، لولا وجوب النصح والبيان، والله المستعان، وعليه التكلان، وإليه ترجع الأمور.
صفحة ١٧