ما كان عليه ماءٌ فإنَّه مِسْكٌ، كما سبق. وسبَقَ أيضًا في بعض الروايات: حشيشُها الزَّعْفَرانُ، وهو نباتُ أرضِها وترابِها. فأمَّا حديثُ "ترابُها المِسْكُ" فقد قيل: إنه محمولٌ على ترابٍ يُخالِطُه الماءُ، كما تقدم. وقيل: إنَّ المرادَ أن ريحَ تُرابِها ريحُ المِسْكِ، ولونُه لونُ الزَّعفرانِ. ويَشهَدُ لهذا حديثُ الكوثَرِ: أن حالَه المِسْكُ الأبيضُ، فريحُه ريحُ المِسْكِ، ولونُه مشرِقٌ لا يُشْبِهُ لَوْنَ مِسْكِ الدُّنيا، بل هو أبيضُ. وقد يكون منه أبيضُ، ومنه أصفرُ، والله أعلم.
وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد أن النَّبيَّ ﷺ سأل ابنَ صيَّادٍ (^١) عن تُربةِ الجنَّةِ، فقال: دَرْمَكَةٌ (^٢) بيضاءُ مِسْكٌ خالصٌ، فصدَّقه النَّبي ﷺ (^٣). وفي روايةٍ أن ابنَ صَيَّادٍ سألَ النَّبيَّ ﷺ وصدَّقَه (^٤). وفي "المسند" والترمذي عن البَراء بن عازب أن النَّبيَّ ﷺ قال: "تُرْبةُ الجنَّةِ دَرْمَكَةٌ. ثم سأل اليهودَ فقالوا: خُبزةٌ، فقال: الخبزُ من الدَّرْمَكِ" (^٥).
والذي (^٦) تجتمع به هذه الأحاديثُ كلُّها أن (^٧) تربةَ الجنَّةِ في لونها بيضاءُ، ومنها (^٨) ما يُشبِهُ لونَ الزَّعفرانِ في بهجته وإشراقِه، وريحُها ريحُ المِسْكِ الأَذْفَرِ الخالِصِ، وطعمُها طَعْمُ الخبز الحُوَّارى الخالِصِ. وقد يختَصُّ هذا بالأبيضِ منها، فقد اجتمعتْ لها الفضائلُ كلُّها، لا حَرَمنا اللهُ تعالى ذلك برحمتِه وكرمِه (^٩).
وقوله ﷺ: "من يدخُلُها يَنْعَمُ لا يبأس، ويخلُدُ لا يموتُ، لا تَبْلَى ثيابُهم، ولا يَفْنَى شبابهُم" إشارة إلى بقاء الجنَّةِ وبقاءِ جميعِ ما فيها من النَّعيمِ، وأنَّ (^١٠) صفاتِ أهلها الكاملة من الشباب لا تتغيَّرُ أبدًا، وملابسهم التي عليهم من الثياب لَا تبلَى
_________
(^١) انظر خبره في "شذرات الذهب" لابن العماد ١/ ١٤٢ - ١٥٠ طبع دار بن كثير، و"جامع الأصول" ١٠/ ٣٦٢ - ٣٦٤.
(^٢) الدَّرْمكة: الدقيق الحُوَّارَى. (النهاية ٢/ ١١٤).
(^٣) رواه مسلم رقم (٢٩٢٨) (٩٣) في الفتن: باب ذكر ابن صيَّاد؛ ورواه أيضًا أحمد في "المسند" ٣/ ٤ و٢٥.
(^٤) هي عند مسلم رقم (٢٩٢٨) (٩٢).
(^٥) لم أجده عند أحمد في "المسند"، وهو عند الترمذي رقم (٣٣٢٧) في التفسير: باب ومن سورة المدثر من حديث جابر بن عبد الله ﵁.
(^٦) في ب، ط: "والتي".
(^٧) لفظة "أن" سقطت من (آ).
(^٨) في آ، ش: "وفيها".
(^٩) قوله: "لا حرمنا الله تعالى ذلك برحمته وكرمه" لم يرد في ع، ش.
(^١٠) في آ: "فإنْ".
1 / 67