بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه ثقتي وَهُوَ حسبي وَكفى
الْحَمد لله الْعَلِيم القاهر الْحَكِيم الَّذِي وَجب لَهُ الْقدَم واستحال فِي تعاليه تَجْوِيز الْعَدَم وَالصَّلَاة على النَّبِي مبيد الْبَاطِل وموضح الْحق بواضحات الدَّلَائِل
هَذَا وَقد استدعيتم أرشدكم الله ﷿ ذكر لمع من الْأَدِلَّة فِي قَوَاعِد عقائد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة
فاستخرت الله تَعَالَى فِي إسعافكم بمناكم وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان
1 / 85
١ - الْعَالم وحدوثه
الأَصْل فِي حُدُوث الْعَالم وَوُجُود الصَّانِع)
اعلموا وفقكم الله أَن الأولى تَقْدِيم عِبَارَات اصْطلحَ الموحدون عَلَيْهَا ابْتِغَاء مِنْهُم لجمع الْمعَانِي الْكَثِيرَة فِي الْأَلْفَاظ الوجيزة
فَمَا أَطْلقُوهُ الْعَالم فَإِن قيل مَا الْعَالم وَلم سمي الْعَالم عَالما
قُلْنَا الْعَالم عِنْد سلف الْأمة عبارَة عَن كل مَوْجُود سوى الله تَعَالَى
وَعند خلف الْأمة عبارَة عَن الْجَوْهَر والأعراض
فَأَما قَوْله لم سمي الْعَالم عَالما
فَأَما الْعَالم فمشتق من الْعلم والعلامة
وَإِنَّمَا سمي الْعلم علما لِأَنَّهُ أَمارَة مَنْصُوبَة على وجود صَاحب الْعلم
1 / 86
فَكَذَلِك الْعَالم بجواهره وأعراضه وأجزائه وأبعاضه دلَالَة دَالَّة على وجود الرب ﷾
فَإِن قيل مَا حد الْجَوْهَر وَمَا حَقِيقَة الْعرض
قُلْنَا الْجَوْهَر قد ذكرت لَهُ حدودا شَتَّى غير أَنا نقتصر على ثَلَاثَة مِنْهَا فَنَقُول الْجَوْهَر المتحيز
وَقيل الْجَوْهَر مَاله حجم
وَقيل الْجَوْهَر مَا يقبل الْعرض
فَأَما الْعرض فقد قيل مَا يقوم بالجوهر
وَقيل مَا يطْرَأ على الْجَوَاهِر كالألوان والطعوم والروائح والعلوم وَالْقدر والإرادات الْحَادِثَة وأضدادها والحياة وَالْمَوْت
وَقيل الْعرض مَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الْبَقَاء
ثمَّ أعلم أَن الْمَوْجُود يَنْقَسِم إِلَى قديم وحادث
فالقديم هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا أول لوُجُوده
والحادث هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَهُ أول
فَإِن قيل مَا الدَّلِيل على حُدُوث الْعَالم
قُلْنَا الدَّلِيل عَلَيْهِ أَن أجرام الْعَالم وأجسامها لَا تَخْلُو عَن الْأَعْرَاض الْحَادِثَة وَمَا لَا يَخْلُو عَن الْحَادِث حَادث
1 / 87
السُّؤَال على هَذَا الْكَلَام من أَرْبَعَة أوجه
الأول لَا نسلم ثُبُوت الْأَعْرَاض
وَلَئِن سلمنَا ثُبُوت الْأَعْرَاض فَلَا نسلم حدوثها
وَلَئِن سلمنَا حدوثها فَلَا نسلم اسْتِحَالَة خلو الْجَوْهَر عَن هَذِه الْأَعْرَاض الْحَادِثَة
وَالرَّابِع لم قلت إِن مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَادِث حَادث
أما السُّؤَال الأول إِنْكَار ثُبُوت الْأَعْرَاض
الدَّلِيل على ثُبُوت الْأَعْرَاض أَن الْعَاقِل إِذا رأى جوهرا سَاكِنا ثمَّ رَآهُ متحركا فقد أدْرك التَّفْرِقَة الضرورية ١١٨ وَبَين هَاتين الْحَالَتَيْنِ
وَتلك التَّفْرِقَة لَا تَخْلُو
إِمَّا أَن ترجع إِلَى ذَات الْجَوْهَر
أَو إِلَى معنى زَائِد على الْجَوْهَر
اسْتَحَالَ أَن يُقَال ترجع التَّفْرِقَة إِلَى ذَات الْجَوْهَر لِأَن الْجَوْهَر فِي الْحَالَتَيْنِ مُتحد وَالشَّيْء لَا يُخَالف نَفسه فَلَا يَقع الِافْتِرَاق إِلَّا بَين ذاتين فصح ووضح بذلك أَن التَّفْرِقَة رَاجِعَة إِلَى معنى زَائِد على الْجَوْهَر وَذَلِكَ هُوَ الْعرض الَّذِي ادعيناه
1 / 88
وَالسُّؤَال الثَّانِي منع حُدُوث الْأَعْرَاض
وَالدَّلِيل على حُدُوث الْأَعْرَاض أَنا نرى الْأَعْرَاض المتضادة تتعاقب على محالها فنستيقن حُدُوث الطَّارِئ مِنْهَا من حَيْثُ وجدت ونعلم حُدُوث السَّابِق مِنْهَا من حَيْثُ عدمت
إِذْ لَو كَانَت قديمَة لاستحال عدمهَا لِأَن الْقدَم يُنَافِي الْعَدَم وَإِن مَا ثَبت لَهُ الْقدَم اسْتَحَالَ عَلَيْهِ الْعَدَم
وَالدَّلِيل على اسْتِحَالَة تعري الْجَوَاهِر عَن الْأَعْرَاض
أَن الْجَوَاهِر شاغلة للأحياز والجواهر الشاغلة للأحياز غير مجتمعة وَلَا مفترقة بِحَال بل باضطرار يعلم أَنَّهَا لَا تَخْلُو عَن كَونهَا مجتمعة أَو مفترقة
وَذَلِكَ يقْضِي باستحالة خلوها عَن الِاجْتِمَاع والافتراق
وَكَذَلِكَ نعلم ببديهة الْعُقُول اسْتِحَالَة تعري الأجرام عَن الاتصاف بالتحرك والسكون واللبث فِي الْمحَال والزوال والانتقال
وكل ذَلِك يُوضح اسْتِحَالَة تعري الْجَوَاهِر عَن الْأَعْرَاض
1 / 89
وَالدَّلِيل على اسْتِحَالَة حوادث لَا أول لَهَا
أَن حَقِيقَة الْحَادِث مَاله أول
وَإِذن كَانَ حَقِيقَة كل حَادث أَن يكون لَهُ أول فَبَان كَثْرَة الْحَوَادِث لَا تخرج عَن حَقِيقَتهَا فَيكون للْكُلّ أول
وَهَذَا كالجوهر فَإِن حَقِيقَة الْجَوْهَر كَونه متحيزا فبالكثرة لَا يخرج عَن حَقِيقَته وَيكون الْكل متحيزا فَكَذَلِك هَهُنَا إِذا ثبتَتْ الْأَعْرَاض وَثَبت حدوثها وَثَبت اسْتِحَالَة تعري الْجَوَاهِر عَنْهَا وَبَطل قَول الدهري بِأَن الْحَوَادِث لَا أول لَهَا فيترتب على ذَلِك أَن الْجَوَاهِر لَا تسبق الْأَعْرَاض الْحَادِثَة وَمَا لَا يسْبق الْحَادِث حَادث على الِاضْطِرَار من غير حَاجَة إِلَى نظر وافتكار
وَالدَّلِيل على أَن الْعَالم لَهُ صانع
1 / 90
أَنه قد صَحَّ حُدُوث الْعَالم بِالدّلَالَةِ الَّتِي ذَكرنَاهَا
والحادث جَائِز الْوُجُود إِذا يجوز تَقْدِير وجوده بَدَلا عَن عَدمه وَيجوز تَقْدِير عَدمه بَدَلا عَن وجوده فَلَمَّا اخْتصَّ بالوجود الْمُمكن بَدَلا عَن الْعَدَم الْجَائِز افْتقر إِلَى مُخَصص وَهُوَ الصَّانِع تَعَالَى
ويستحيل أَن يكون مُخَصص الْعَالم طبيعة كَمَا صَار إِلَيْهِ الطائعيون
ويستحيل أَن يكون عِلّة مُوجبَة كَمَا صَار إِلَيْهِ الْأَوَائِل لِأَن تِلْكَ الطبيعة لَا تَخْلُو إِمَّا أَن تكون قديمَة أَو حَادِثَة
فَإِن كَانَت قديمَة لزم قدم آثارها فَإِن الطبيعة عِنْد مثبتها لَا اخْتِيَار لَهَا وَهِي مُوجبَة آثارها عِنْد ارْتِفَاع الْمَوَانِع وَقد صَحَّ حدوثها
1 / 91
وَإِن كَانَت الطبيعة حَادِثَة افْتَقَرت إِلَى طبيعة أُخْرَى ثمَّ الْكَلَام فِي تِلْكَ الطبيعة كَالْكَلَامِ فِي تِلْكَ الطبيعة كَالْكَلَامِ فِي هَذِه الطبيعة
وينساق هَذَا القَوْل إِلَى إِثْبَات حوادث لَا أول لَهَا وَقد تبين بطلَان ذَلِك
فوضح بذلك أَن مُخَصص الْعَالم صانع مُخْتَار مَوْصُوف بالاقتدار وَالِاخْتِيَار
1 / 92
٢ - الله وَصِفَاته
١١ - ظ فصل
صانع الْعَالم أزلي الْوُجُود قديم الذَّات لَا مفتتح لوُجُوده وَلَا مُبْتَدأ لثُبُوته
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه تَعَالَى لَو كَانَ حَادِثا لشارك الْحَوَادِث فِي الافتقار إِلَى مُحدث
ثمَّ الْكَلَام فِي محدثه ينزل منزلَة الْكَلَام فِيهِ ويتسلسل القَوْل وَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى إِثْبَات حوادث لَا أول لَهَا
وَقد سبق بطلَان ذَلِك
1 / 93
فصل
صانع الْعَالم حَيّ عَالم بِجَمِيعِ المعلومات قَادر على جَمِيع المقدورات
فَإنَّا ببداهة الْعُقُول تعلم اسْتِحَالَة صُدُور الْأَفْعَال من الْعَاجِز عَنْهَا
وَكَذَلِكَ يستيقن كل لَبِيب أَن الْأَفْعَال المحكمة المتقنة الْوَاقِعَة على أحسن تَرْتِيب ونظام وإتقان وإحكام لَا تصدر إِلَّا من عَالم بهَا
وَمن جوز صُدُور خطّ منظوم على تَرْتِيب مَعْلُوم من غير عَالم بالخط كَانَ من الْمَعْقُول خَارِجا وَفِي تيه الْجَهْل والجا
وَإِذا ثَبت كَون صانع الْعَالم عَالما قَادِرًا فبالاضطرار يعلم كَونه حَيا إِذْ يَسْتَحِيل أَن يَتَّصِف بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة ميت أَو جماد وتجويز ذَلِك مراغمة وعناد
1 / 94
فصل
صانع الْعَالم مُرِيد على الْحَقِيقَة عِنْد أهل الْحق
وَأنكر الكعبي كَونه مرِيدا على الْحَقِيقَة وَزعم أَنه تَعَالَى لَو وصف بِكَوْنِهِ مرِيدا لأفعال نَفسه فَالْمُرَاد بذلك أَنه خَالِقهَا ومنشئها وَلَو وصف بِكَوْنِهِ مرِيدا لبَعض أَعمال الْعباد فَالْمُرَاد بذلك أَنه أَمر بهَا
وَزعم أَن كَون الْإِلَه عَالما بِوُقُوع الْحَوَادِث فِي أَوْقَاتهَا على خَصَائِص صفاتها يُغني عَن تعلق الْإِرَادَة بهَا
وَهَذَا بَاطِل إِذْ لَو أغْنى كَونه عَالما عَن كَونه مرِيدا لأغنى كَونه عَالما عَن كَونه قَادِرًا وَلَيْسَ كَذَلِك
وَأَيْضًا قد وافقونا على افتقار أَفعَال الْمُحدثين إِلَى إرادتهم
1 / 95
ذهب معتزلة الْبَصْرَة إِلَى أَن الْبَارِي تَعَالَى مُرِيد بِإِرَادَة حَادِثَة ثَابِتَة لَا فِي مَحل
وَالَّذِي قَالُوهُ بَاطِل لِأَن الْحَوَادِث إِنَّمَا افْتَقَرت إِلَى إِرَادَة لحدوثها
وَلَو كَانَت الْإِرَادَة حَادِثَة لافتقرت أَيْضا إِلَى إِرَادَة أُخْرَى لحدوثها
ثمَّ يُؤَدِّي إِثْبَات ذَلِك إِلَى إِثْبَات إرادات لَا نِهَايَة لَهَا
فَإِذا بطلت هَذِه الْمذَاهب لم يبْق بعد ذَلِك إِلَّا الْقطع بِمَا صَار إِلَيْهِ أهل الْحق من وصف الْبَارِي ﷾ بِكَوْنِهِ مرِيدا بِإِرَادَة قديمَة أزلية
1 / 96
فصل
صانع الْعَالم سميع وبصير مُتَكَلم
إِذْ قد ثَبت كَونه حَيا والحي لَا يَخْلُو عَن الاتصاف بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر وَالْكَلَام وأضدادها
وأضداد هَذِه الصِّفَات نقائص
والرب ﷾ يتقدس عَن سمات النَّقْص
فصل
الرب ﷾ بَاقٍ وَاجِب الْوُجُود
إِذْ قد ثَبت بِمَا قدمْنَاهُ قدمه
وَالْقَدِيم يَسْتَحِيل عَدمه بِاتِّفَاق من الْعُقَلَاء وَذَلِكَ يُصَرح بِكَوْنِهِ بَاقِيا ١١٩ ومستمر الْوُجُود
1 / 97
فصل
صانع الْعَالم وَاحِد عِنْد أهل الْحق
وَالْوَاحد الْحَقِيقِيّ هُوَ الشَّيْء الَّذِي لَا يَنْقَسِم
وَالدَّلِيل على وحدانية الْإِلَه أَنا لَو قَدرنَا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ وفرضنا عرضين ضدين وقدرنا إِرَادَة أَحدهمَا لأحد الضدين وَإِرَادَة الثَّانِي للثَّانِي فَلَا يَخْلُو من أُمُور ثَلَاثَة إِمَّا أَن تنفذ إرادتهما
أَو لَا تنفذ إرادتهما أَو تنفذ إِرَادَة أَحدهمَا دون الآخر
واستحال أَن تنفذ إرادتهما لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الضدين واستحال أَيْضا أَلا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو الْمحل عَن كلا الضدين
1 / 98
فَإِذا بَطل القسمان تعين الثَّالِث
وَهُوَ أَن تنفذ إِرَادَة أَحدهمَا دون الآخر
فَالَّذِي لَا تنفذ إِرَادَته فَهُوَ المغلوب المقهور المستكره
وَالَّذِي نفذت إِرَادَته فَهُوَ الْإِلَه الْقَادِر على تَحْصِيل مَا يَشَاء
فَإِن قيل لم لَا يجوز أَن يتوافقا أبدا وَلَا يختلفا قطّ
قُلْنَا إِن لم نجوز اخْتِلَافهمَا فِي الْإِرَادَة كَانَ محالا
إِذْ وجود أَحدهمَا وَوُجُود صِفَاته يَسْتَحِيل أَن يمْنَع الثَّانِي من أَن يُرِيد مَا يَصح إِرَادَته عِنْد تَقْدِير الِانْفِرَاد وَالْعَاجِز منحط عَن رُتْبَة الربوبية وَذَلِكَ مَضْمُون قَوْله تَعَالَى ﴿لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا﴾ أَي لتناقضت أحكامهما عِنْد تَقْدِير القادرين على الْكَمَال
فصل
الْقَدِيم الْبَارِي ﷾ عَالم بِعلم قديم قَادر بقدرة قديمَة حَيّ بحياة قديمَة
1 / 99
وَذهب لمعتزلة إِلَى أَن الْبَارِي تَعَالَى عَن قَوْلهم
حَيّ عَالم قَادر بِنَفسِهِ وَلَيْسَ لَهُ قدرَة وَلَا علم وَلَا حَيَاة
دليلنا فِي الْمَسْأَلَة أَن نقُول
قد تقرر فِي الْعُقُول أَن مَا يعلم بِهِ الْمَعْلُوم علم
فَلَو علم الْبَارِي تَعَالَى الْمَعْلُوم بِنَفسِهِ لَكَانَ نَفسه علما إِذْ كل مُتَعَلق بِمَعْلُوم تعلق إحاطة بِهِ علم
وَقد تحكمت الْمُعْتَزلَة فِي صِفَات الْبَارِي تَعَالَى فَزَعَمت أَنه عَالم حَيّ قَادر بِنَفسِهِ مُرِيد بِإِرَادَة حَادِثَة
فَلَو عكس عاكس مَا قَالُوهُ وَزعم أَنه عَالم بِعلم حَادث مُرِيد بِنَفسِهِ لم يَجدوا بَين مَا اعتقدوه وَبَين مَا ألزموه فصلا
فَإِن قَالُوا لَو كَانَ الْبَارِي تَعَالَى مرِيدا بِنَفسِهِ لَكَانَ مرِيدا لكل مُرَاد
1 / 100
كَمَا أَنه تَعَالَى لما كَانَ عَالما بِنَفسِهِ كَانَ عَالما بِكُل مَعْلُوم
قُلْنَا هُوَ بَاطِل على فَسَاد مذهبكم ومعتقدكم بِكَوْن الْبَارِي تَعَالَى قَادِرًا فَإِن ذَلِك من صِفَات النَّفس عنْدكُمْ
ثمَّ يخْتَص كَون الْإِلَه قَادِرًا عنْدكُمْ بِبَعْض المقدورات
وَلَا يَتَّصِف الرب ﷿ بالاقتدار على مقدورات الْعباد
وَقد صرحت نُصُوص من كتاب الله تَعَالَى بِإِثْبَات الصِّفَات مِنْهَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا تحمل من أُنْثَى وَلَا تضع إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾
وَقَالَ عز من قَائِل ﴿أنزلهُ بِعِلْمِهِ﴾
وَقَالَ سُبْحَانَهُ متمدحا مثنيا على نَفسه إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين
1 / 101
أثبت لنَفسِهِ الْقُوَّة وَهِي الْقُدْرَة بِاتِّفَاق الْمُفَسّرين
فصل
وَقد ذكرنَا أَن الْبَارِي تَعَالَى مُتَكَلم
فَاعْلَم أَن كَلَامه قديم أزلي لَا مُبْتَدأ لوُجُوده وَذهب الْمُعْتَزلَة والنجارية والزيدية والإمامية والخوارج إِلَى أَن كَلَام الله تَعَالَى حَادث
١١٩ - ظ وامتنعت طوائف من هَؤُلَاءِ من إِطْلَاق القَوْل بِكَوْنِهِ مخلوقا فَسَموهُ حَادِثا ومحدثا
وَأطلق الْمُتَأَخّرُونَ من الْمُعْتَزلَة قَوْلهم بِكَوْنِهِ مخلوقا
وَالدَّلِيل على قدم كَلَام الله تَعَالَى أَنه لَو كَانَ حَادِثا لم يخل من أُمُور ثَلَاثَة
1 / 102
إِمَّا أَن يقوم بِذَات الْبَارِي تَعَالَى
أَو يقوم بجسم من الْأَجْسَام
أَو يقوم لَا بِمحل بَطل قِيَامه بِهِ إِذْ يَسْتَحِيل قيام الْحَوَادِث بِذَات الْبَارِي تَعَالَى فَإِن الْحَوَادِث لَا تقوم إِلَّا بحادث
وَبَطل قيام كَلَامه بجسم إِذْ يلْزم أَن يكون الْمُتَكَلّم ذَلِك الْجِسْم
وَيبْطل قيام الْكَلَام لَا بِمحل فَإِن الْكَلَام الْحَادِث عرض من الْأَعْرَاض ويستحيل قيام الْأَعْرَاض بأنفسها إِذْ لوجاز ذَلِك فِي ضرب مِنْهَا لزم فِي سائرها
فصل
الْكَلَام الْحَقِيقِيّ شَاهدا حَدِيث النَّفس
1 / 103
وَهُوَ الَّذِي تدل عَلَيْهِ الْعبارَات المتواضع عَلَيْهَا وَقد تدل عَلَيْهِ الخطوط والرموز والإشارات
وكل ذَلِك أَمَارَات على الْكَلَام الْقَائِم بِالنَّفسِ وَلذَلِك قَالَ الأخطل
(إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَإِنَّمَا ... جعل اللِّسَان على الْفُؤَاد دَلِيلا)
وَمن الشواهد على ذَلِك من كتاب الله ﷿ فِي الْإِخْبَار عَن الْمُنَافِقين قَوْله تَعَالَى
﴿إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله﴾ الْآيَة وَنحن نعلم أَن الله تَعَالَى لم يكذبهم فِي إقرارهم وَإِنَّمَا يكذبهم فِيمَا تجنه سرائرهم وتكنه ضمائرهم
1 / 104