ثانيا: قضية القول بفناء النار ليست ابتداعا لشيخ الإسلام ابن تيمية (الحق أن ابن تيمية ذكر في هذه المسألة قولين للسلف ولم يرجح واحدا منهما وإنما الذي رجح القول بالفناء هو ابن القيم رحمه الله) وابن القيم وإنما قال بها جمهور كبير من الصحابة والتابعين كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة وعبدالله بن مسعود، وعلى بن أبي طالب، والحسن البصري، وكثير من أئمة التابعين وعلماء التفسير فكيف تكون هذه القضية من قضايا الإجماع وهؤلاء جميعا مخالفون لذلك، بل قال الإمام ابن القيم أنه لو طلب ممن يقول بالإجماع في هذه المسألة: أن ينقل عن عشرة فقط من الصحابة فما دونهم إلى الواحد لم يجد إلى ذلك سبيلا.. فكيف يدعي الإجماع في مثل ذلك؟
الكلام الذي رمى به الأستاذ شيخ الإسلام ابن تيمية كلام عظيم وبهتان كبير فتكفير المسلم شيء عظيم فكيف بتكفير إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلامهم لا يوجد لليوم عالم قد نال من ثناء العلماء عليه مثل ما نال هذا الرجل.
وحسبك من ذلك قول تلميذه الحافظ الذهبي: "لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أنني ما رأيت بعيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه في العلم"، وقول تلميذه الحافظ المزي: "ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله، ولا أتبع لهما منه"، وقول الإمام ابن دقيق العيد: "لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجع كل العلوم بين عينيه يأخذ ما يريد ويدع ما يريده".
ومثل هذا القول أيضا عن أبي حيان شيخ النحاة.. ولم تؤلف تراجم في الإسلام لرجل مثله. وهو الذي اتبع جنازته أهل دمشق كلها، وقد حضر من النساء فقط خمسة عشر ألف امرأة، ومائتي ألف رجل، ولا يعرف جنازة مثلها في الإسلام إلا للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالإقدام على تكفير رجل مثل هذا في حلقة من حلقات العلم وفي كلية الشريعة شيء عظيم جدا.
صفحة ٥