هكذا أعددت دفاعي على صورة اتهام موجه إلى اللجنة، واخترت له كلمات قوية؛ فما دامت النتيجة محتومة، فلا بأس من الاحتفاظ بكرامتي، ومواجهة المحتوم في إباء وشمم.
لكني لم أكد أواجه اللجنة وأستمع لكلمات رئيسها حتى تبخرت صلابتي، وخرج صوتي مهتزا ضعيفا، وأنا الذي خططت له أن يدوي في القاعة ثابتا، شامخا، اتهاميا.
قلت بصوت يذوب رقة، مستخدما لغة اللجنة: «إني أشكر لكم هذه الفرصة التي أتحتموها لي كي أتحدث أمامكم، وأحب أن أؤكد مرة أخرى إدراكي لعمق الخسارة التي حاقت بكم؛ فاللجنة لا تفقد أحد أعضائها كل يوم (وابتسمت بالرغم مني، لكنهم بالطبع لم يشاطروني الابتسام).
وأصدقكم القول بأني عندما جئت اليوم لم أكن أفكر في الدفاع عن نفسي؛ فأنا مقر بما فعلته، وقابل لكافة النتائج المترتبة عليه، ومع ذلك فكلي أمل أن يشفع لي تاريخي وسلامة طويتي والظروف التي أحاطت بي.
وأعتقد أنكم تعرفون جيدا أني لم يسبق أن أقدمت على عمل من أعمال العنف؛ فأنا مجرد إنسان عادي، يؤثر السلامة قدر الإمكان، وتلك الأعمال الجسورة التي يتحدث عنها الآخرون ويتباهون بها، ليست بالنسبة لي غير مادة للقصص والروايات.
وعندما مثلت أمامكم أول مرة لم يكن لي من غرض سوى أن أنال رضاكم؛ إذ تبينت أنه الطريق الوحيد لتطوير مواهبي والبرهنة عليها، خاصة وأن أفضل أصحاب المواهب قد سبقوني للمثول أمامكم.
وإذا كانت التطورات التي جرت بعد ذلك تعود أساسا إلى شغفي بالمعرفة؛ فإن ما صدر مني في حق زميلكم - أو على الأصح في صدره - لم يكن غير رد فعل طبيعي لإنسان بسيط في حالة دفاع عن النفس.»
قاطعني الرئيس قائلا: «لكنك قررت - عقب الجريمة مباشرة - أنه لم يهاجمك أو يتعرض لك بالأذى.»
قلت: «هذا صحيح، لكنه كان يحمل مسدسا؛ ولهذا فاستخدام العنف ضدي كان واردا منذ البداية. ومن المؤكد أنه لو لم أبادر بالقضاء عليه فإنه ما كان سيتركني في سلام. على أني لا أريد أن أدافع عن موقفي، وما أبغيه هو أن تضعوا في تقديركم حالتي النفسية والعصبية، وكوني لم أنم على الإطلاق أثناء وجوده معي، فضلا عن الحصار الذي فرضه علي.»
انحنى الأشقر إلى الأمام وتطلع إلي بعينين ملونتين قاسيتين، ثم قال: «إذن فأنت تريد أن نقبل صورة البريء السليم النية التي تحاول أن تبيعها لنا؟!»
صفحة غير معروفة