رفعت عيني إلى صورة الفقيد المعلقة على الجدار، خلف الرئيس، وثبتهما على عينيه؛ مشاركة مني لأعضاء اللجنة في مشاعرهم، وركزت ذهني طوال الدقائق الخمس التي تتابعت ببطء شديد، في محاولة مخلصة لتذكر الطريقة التي كان يحركهما بها، كل واحدة في اتجاه، أثناء حياته الحافلة.
تنحنح الرئيس عدة مرات كأنه يقوم بشحن البطارية التي سيعمل بها صوته، ثم انطلق يقول - موجها حديثه إلى زملائه، بينما كان يتطلع إلى أكاليل الزهور، كأنما يخاطب في الحقيقة مرسليها: «حضرات الأعضاء الموقرين. هذه إحدى المرات النادرة التي تنعقد فيها لجنتكم لتبحث أمرا يخرج عن مألوف عادتها. وفيما يتعلق بالفقيد فإنها المرة الثالثة التي نجتمع فيها بسببه. وإذا لم تخني الذاكرة فإن المرة الأولى كانت في منتصف الخمسينيات عندما قررنا ضمه إلى اللجنة. وما زلت أذكره كما كان وقتذاك، ممتلئا شبابا وحيوية، أما المرة الأخرى فكانت في العام قبل الماضي، عندما احتفلنا بفوزه بجائزة «النسر الذهبي»؛ تقديرا لجهوده في خدمة أهداف اللجنة.
والواقع أن الفقيد لعب دورا هاما في الإعداد لكثير من التحولات الرائعة التي تحدث حولنا، وفي صياغة الشكل الذي تحققت به.
وبفضل هذا الدور تتفتح اليوم - من جديد - الإمكانيات التي تراءت في الخمسينيات، ثم قبرت في الستينيات وأوائل السبعينيات؛ لتحقيق أحلام البشرية، والقضاء على كافة المخاطر التي تهدد النوع الإنساني.
ونحن نشير بذلك إلى الحلم القديم، وهو حلم الوحدة الأرضية، أو الولايات المتحدة الأرضية، حيث يندمج سكان الكوكب جميعا في دولة متجانسة، تحقق لهم الرخاء، وتنشد لهم الحياة الأفضل.
وهذا يبين عمق الخسارة التي أصبنا بها، وأصيبت بها قضية الحضارة والتقدم، وقضايا الاشتراكية والسلام والديمقراطية.»
توقف لحظة ليترك للحاضرين فرصة تمثل الاستنتاج الذي توصل إليه، ثم استأنف حديثه: «لقد حرصنا في كل أعمالنا على أن نبقى بمنأى عن أي ارتباط مباشر بالأجهزة الرسمية، والسلطات التنفيذية، رغم الشائعات التي طاردتنا، والتي كان لها أساس من الصحة في حالات معدودة، مست المبدأ المذكور، وإن كانت في الحقيقة تدعيما له.
ونحن نواجه الآن حالة مماثلة أرغمتنا بسبب من خطورتها على أن نتصدى لمعالجتها، فلا يخفى عليكم ما لها من دلالات بالنسبة للمستقبل.
ومما يضاعف من دقة الأمر، ما تتعرضون له من مشقة وعنت، بالنظر إلى أنكم تواجهون الآن، مباشرة، اليدين المضرجتين بدماء أحد زملائكم.»
سرت همهمة غاضبة بين الأعضاء الذين لم يرفعوا عيونهم عني طول الوقت. وألفيت نفسي مدفوعا إلى الكلام. وعلى غير ما توقعت خرج صوتي مهتزا بكلمات غير التي كنت قد أعددتها.
صفحة غير معروفة