يا سماء اللطف شكرا
قتل الباغي وديسا
لك مجرى العدل طرا
وعلينا أن نقيسا
فسألها حماس: ومن هذا الباغي يا مولاتي؟ قالت: هذا بيروس ابن عمي ومختطفي ورئيس العصابة الهالكة، قال: إذن فقد قطع رأس الأفعى، وأصبح الطريق مأمونا من هذا الصخر إلى القصر.
وكانت لبيروس ذؤابة يعتني بها، ويبالغ في تسريحها وتطبيبها، بقدر ما بلغت الخلقة في تذهيبها، فأعجب حماس بها، وأراد أن يتخذها علامة على ما جرى له في ذلك اليوم مع الأشقياء، وذكرى لوقائع الصخرة الملساء، فاستأذن الأميرة في ذلك فأذنت له، فاستأصل الذؤابة من جذورها ثم تمنطق بها فكفت ووفت.
والتفت بعد ذلك إلى لادياس، فقال لها: الآن اجعليني أيتها الأميرة زمامك، وثبتي أقدامك، ولا تبصري إلا قدامك، فإن ذلك أمضي سلاح يتقلده الإنسان، في مكان مخوف مثل هذا المكان. قالت: سمعا وطاعة. ثم مشى البطل المصري ومشت أميرة ساموس بجنبه كأنها ظله المديد، أو رمحه السديد وهو يتوجه بها؛ حيث وصف له ذلك الصياد، وينظر في سهل الطرق ويرتاد، فيهبط الأغوار ويعلو الأنجاد، وتسلمه الهضاب إلى الوهاد، حتى أقامه السرى في طريق مستوية منبسطة يشرف عليها الصخر من الجانبين فكأنها مضيق بين جبلين.
وكان قد ذهب من الليل ثلثاه والقمر لا يزال ملتمع الضياع، وهاج السراج في الأرض والسماء، فمال بالأميرة السرى، ومالت إلى الكرى، فاشتهت من حماس لو سامحها في الاضطجاع ولو هنيهة من الزمن، فلم ير من بأس في تلبية هذا المقترح، وفتش للحين عن جانب من الأرض يصلح لضم ذلك الجسم الناعم، فلما وجده عرضه عليها، فاضطجعت واضطجع هو أيضا دون قدميها، فأخذهما كليهما النوم فناما مثقلين بالمتاعب، ثملين من كأس السرى الناصب.
فحين تملك حماسا المنام، وسرت روحه من دنيا الأوهام إلى عالم الأحلام، رأى في نومه كأن الشعب في سيبس (عاصمة مصر يومئذ) يلبسه تاج البلاد ويجلسه على عرشها، ثم كأن الأمة بأسرها موكب له يسير فيه إلى الهيكل الأعظم، ثم كأنه دخل الهيكل فمثل سدة الآلهة فحمدهم وأثنى عليهم، ثم هم بأداء يمين الطاعة والأمانة لهم، فسمع عندئذ من وراء الحجاب صوتا يقول «ليس للملك يمين، وعند اللوح الخبر اليقين.» فتذكر حماس على الفور أقسامه ووعوده للوح، فانتبه من نومه مبغوتا مذعورا، فنظر إلى لادياس فإذا هي لا تزال في أسر النعاس، فحدثته نفسه المضطربة أن يرجع إلى حيث ترك اللوح، فيأتي به قبل أن تهب الأميرة من رقادها، فنظر إليها نظرة معتذر خجل، ثم تركها في حفظ الآلهة وانطلق يعدو في طلب اللوح، فلو رأيته حسبته يقظان وهو نائم لم يستفق بعد من النوم، وإنما تلك حال كانت تعاوده في منامه، فيبلغ إلى مثل هذا الحد في أحلامه.
كيف انتبهت لادياس
صفحة غير معروفة