الْوَاقِعِ عَلَى الْوَجْهِ عَلَى عَاقِلَةِ الآْخَرِ، وَأُهْدِرَ دَمُ مَنْ وَقَعَ عَلَى الْقَفَا.
وَقَال مَالِكٌ فِي السَّفِينَتَيْنِ تَصْطَدِمَانِ، فَتَغْرَقُ إِحْدَاهُمَا بِمَا فِيهَا، فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؛ لأَِنَّ الرِّيحَ تَغْلِبُهُمْ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ النَّوَاتِيَّةُ (الْبَحَّارَةُ) أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا صَرْفَهَا لَقَدَرُوا، فَيَضْمَنُونَ. وَقَال ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ تَجَاذَبَا الْحَبْل، فَانْقَطَعَ فَتَلِفَا، فَكَاصْطِدَامِهِمَا، وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ، ضَمِنَ. وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ تَصَادَمَ نَفْسَانِ يَمْشِيَانِ، فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الآْخَرِ. وَإِنْ كَانَتَا امْرَأَتَيْنِ حُبْلَيَيْنِ فَهُمَا كَالرَّجُلَيْنِ. فَإِنْ أَسْقَطَتْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَنِينًا فَعَلَى كُل وَاحِدَةٍ نِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِهَا وَنِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِ صَاحِبَتِهَا. (١)
إِتْلاَفُ بَعْضِ الْمَنْقُول لِسَلاَمَةِ السَّفِينَةِ:
٤٧ - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَلاَّحَ السَّفِينَةِ إِنْ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْمَحْمُول حَاضِرًا مَعَهُ، عَلَى التَّفْصِيل الْمُبَيَّنِ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَةٌ)
أَمَّا إِنْ خِيفَ عَلَى السَّفِينَةِ الْغَرَقُ، فَأَلْقَى بَعْضُ الرُّكَّابِ مَتَاعَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، لِتَسْلَمَ السَّفِينَةُ مِنَ الْغَرَقِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لأَِنَّهُ أَتْلَفَ مَتَاعَ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ لِصَلاَحِهِ وَصَلاَحِ غَيْرِهِ. وَإِنْ أَلْقَى مَتَاعَ غَيْرِهِ
(١) الدر المختار وحاشية ابن عابدين ٥ / ٤٨٣ ط عام ١٢٩٩ هـ، والبدائع ٤ / ٢١٠ - ٢١٢ والتاج والإكليل ٦ / ٢٤٣، والشرح الصغير وحاشية الصاوي ٤ / ٤٥، ونهاية المحتاج ٧ / ٣٤٣، وحاشية القليوبي على منهاج الطالبين ٤ / ١٥٠ - ١٥١ والمغني مع الشرح الكبير ١٠ / ٣٥٩ - ٣٦٠.
بِغَيْرِ إِذْنِهِ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ كَأَكْل مُضْطَرٍّ طَعَامَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنِ اتَّفَقُوا عَلَى إِلْقَاءِ الأَْمْتِعَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا لِحِفْظِ الأَْنْفُسِ فَقَطْ فَالْغُرْمُ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ.
أَمَّا إِذَا قَصَدُوا حِفْظَ الأَْمْتِعَةِ فَقَطْ، بِأَنْ كَانَتِ السَّفِينَةُ فِي مَوْضِعٍ لاَ تَغْرَقُ فِيهِ الأَْنْفُسُ، فَالْغُرْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الأَْمْوَال.
وَإِنْ قَصَدُوا حِفْظَ الأَْنْفُسِ وَالأَْمْوَال مَعًا فَالْغُرْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِهِمَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ فِي حَال طَرْحِ الأَْمْتِعَةِ مِنَ السَّفِينَةِ عِنْدَ خَوْفِ غَرَقِهَا يُوَزَّعُ مَا طُرِحَ عَلَى مَال التِّجَارَةِ فَقَطْ.
٤٨ - وَلاَ سَبِيل لِطَرْحِ الآْدَمِيِّ لإِنْقَاذِ السَّفِينَةِ مِنَ الْغَرَقِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، إِذْ الإِْجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِمَاتَةُ أَحَدٍ مِنْ الآْدَمِيِّينَ لِنَجَاةِ غَيْرِهِ. وَيَنْقُل الدُّسُوقِيُّ عَنِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ بِالْقُرْعَةِ. (١)
٤٩ - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ تَلَفٍ فِي الأَْنْفُسِ وَالأَْمْوَال نَتِيجَةَ الْعَجْزِ عَنْ إِنْقَاذِهِ فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ وَلاَ قَوَدَ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عَدَمُ التَّحَكُّمِ فِي السَّفِينَةِ لِلرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ.
الظَّاهِرُ مِنْ تَتَبُّعِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الإِْتْلاَفِ النَّاشِئِ عَنِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ، سَوَاءٌ
(١) حاشية ابن عابدين ٥ / ١٧٢ ط عام ١٢٧٢ هـ وحاشية الدسوقي ٤ / ٢٧، والتاج والإكليل ٦ / ٢٤٣، ونهاية المحتاج ٧ / ٧٩، والمغني مع الشرح الكبير ١٠ / ٣٦٣، والجمل على المنهج ٥ / ٩٠.
1 / 229