ومهما يكن من شيء فإن العرب أنفسهم عرفوا في الجاهلية نوعا من نحت التماثيل ليتخذوها آلهة لهم، ثم إننا نجد في تاريخ الفن الإسلامي ملوكا وأمراء سنيين، استنفدوا وسعهم في رعاية المصورين وتشجعيهم. والخليفة الأموي الذي أمر فبني له في بادية الشام مقر للصيد والراحة - قصير عمرا - وزينت جدرانه وسقفه بالنقوش الجميلة، والخلفاء العباسيون الذين زينوا قصورهم في سامرا بالنقوش المختلفة الألوان، وملوك إيران من أسرة تيمور الذين كانوا من أكبر رعاة النقش والتصوير، فنشأ في بلاطهم بهزاد أعظم المصورين في الإسلام ،
5
وكذلك سلاطين المغول في الهند، وآل عثمان في تركيا، هؤلاء كلهم كانوا سنيين.
فالمسلمون إذن، من سنيين وشيعيين، كانوا في أول أمرهم مجمعين على كراهية النحت وتصوير الأحياء؛ لأنهم ظنوا أن فيهما تقليدا للخالق - سبحانه وتعالى؛ ولأنهم زعموا أن النبي - عليه السلام - قال: «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا تصاوير» و«إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» و«إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم» ... إلخ.
ومن ثم فقد اتجه المسلمون في زخرفتهم وجهة أخرى؛ فأبدعوا رسوما جميلة يندر تصوير الأحياء فيها، وإنما تتكون من أشكال نباتية وهندسية، يتداخل بعضها في بعض، وتكون زخارف أصبحت من ميزات الفن الإسلامي، كما اتخذوا الكتابة عنصرا أساسيا للزخرفة عندهم، وقد ساعدتهم طبيعة الخط العربي في ذلك أكبر مساعدة.
6
على أن انتشار الإسلام، وثبوت تعاليمه، وبعد الغرب عن الوثنية الجاهلية جعل من اليسير ألا يلتزم المسلمون حرفية الحديث النبوي في تحريم النحت والتصوير، وكان اختلاطهم بالأمم التي غلبوها على أمرها من أكبر العوامل التي ساقتهم إلى أخذ قسط يسير من هذين الفنين.
7
ولا غرو «فقد ورث العرب فيما ورثوا عن الأمم التي دخلت في حوزتهم الفنون والصنائع؛ وأخذوا يحذقونها ويبرعون فيها في مداس المورثين، إذ لم يكن في استطاعتهم أن يرتجلوا فنا كما ارتجلوا لهم ملكا، ومع ذلك لم يمض زمن طويل حتى نبغ فيهم البناءون والحفارون والمصورون والنقاشون؛ دون أن يروا في شيء من ذلك مخالفة لنصوص كتابهم أو معارضة لشريعة نبيهم، ولم يقفوا عند حد الحذق والبراعة بل تعدوه إلى التفنن والإبداع، فنقحوا وصححوا وحذفوا وأضافوا، ثم اخترعوا وابتكروا حتى طبعوا تلك الفنون بالطابع العربي، وصبغوها بالصبغة الإسلامية، حرصا على شخصيتهم أن تفنى، وعلى نبوغهم وعبقريتهم أن يذهبا؛ فأصبح الروح العربي بارزا واضحا يندمج فيه غيره ولا يندمج في شيء؛ ولهذا خلقت العرب لها فنا يوافق ذوقها، ويسير مع طبعها وسرعان ما انتشر في أرجاء تلك المملكة الواسعة انتشار الكهرباء.»
8
صفحة غير معروفة