كل شيء وأكثر: تاريخ موجز للانهائية

ديفيد فوستر والاس ت. 1450 هجري
11

كل شيء وأكثر: تاريخ موجز للانهائية

تصانيف

وكتفسير لردود أفعال أخف وطأة من حيث درجة حساسيتها - وبما أنني أقنعت الكثير من الأصدقاء بأسلوب ديفيد فوستر والاس في الكتابة بمرور السنين، فقد واجهت بعض تلك الاستجابات - يفترض بعض القراء (بطريقة غامضة أو مشاكسة في كثير من الأحيان) أن الأسلوب الأدبي لديفيد فوستر والاس ينطوي على بعض المكر والتحايل الذكي. هذا، بالنسبة إلي على أية حال، نتيجة لا تستند إلى أدلة داعمة، إذا أخذنا في الاعتبار الحب الظاهر الذي يضفيه ديفيد فوستر والاس على الموضوع الذي يكتب عنه ومعارضته الصريحة للتورية كأسلوب حياة في مقالته «واحد من الكثرة». لماذا يستشعرها الناس رغم عدم وجودها؟ الأمر يتعلق بحقيقة أن موهبته اللفظية الجلية والتفنن في استخدام الكلمات يخلقان شعورا مؤرقا لدى بعض القراء أن ثمة طرفة ما لا يفهمونها أو أن ثمة وغدا ذكيا يسخر منهم بطريقة أو بأخرى، وهو ما لا ينطبق على ديفيد فوستر والاس.

من وجهة نظري، هذا الكتاب هو حديث من سماء براري خضراء يجلس فيها الأشخاص الذين لا يروق لهم أسلوب التورية، والذين تلقوا التعليم الأمثل في مدارس البراري تلك، والجامعات الرائعة رغم بساطتها حول موائد غدائهم؛ يضعون الزبد على الذرة الحلوة، ويحتسون الشاي المثلج، ويحاولون في أناة تفسير حتى أكثر ألغاز الكون غموضا؛ استنادا إلى إيمانهم بأن العالم ينبغي ألا يستعصي على فهم البشر، وأنك إذا استطعت أن تفهم شيئا ما، فيمكنك أن توضحه بالكلمات: كلمات تخيلية إذا كان هذا يجدي نفعا، وبسيطة إن أمكن. لكن يمكنك، في جميع الأحوال، أن تصل إلى عقول أخرى عبر هذا الوسيط اللفظي، وهو الكلمة، وأن تصنع رابطا معها. فتوزيع بذور الذرة المشعة على صبية الكشافة وتأليف كتاب يشرح أمورا صعبة بلغة عامية مؤثرة؛ وجهان لعملة واحدة؛ طريقة تقول بها: «لدي هنا شيء رائع أريد أن أشارككم إياه ليس لغرض سوى تعزيز التواصل بين العقول.» لو كانت هذه هي الطريقة التي نشأت عليها، فسيصبح شرحك أي شيء لأحدهم أمرا ممتعا. فشرح الأمور الصعبة يمثل تحديا. وشرح الأفكار التي اشتهرت بأنها صعبة، والتي تكاثرت على نحو هائل إبان أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين (اللانهائية ، النسبية، ميكانيكا الكم، مسائل هيلبرت، دليل جودل الأنطولوجي) أمر بالغ الصعوبة.

ولذا، عند قراءتي هذا الكتاب، لم يصلني أي انطباع عاطفي بأن ثمة تحايلا أو مهارة أو دهاء لغويا، لكنني لمست نوعا من الانفتاح الذاتي ورغبة في التواصل ظلا يمارسان تأثيرهما قبل أن يسلم ديفيد فوستر والاس نفسه لمرض لعين لا يرجى شفاؤه في سن الأربعين وأضحى تأثيرهما مفجعا بعد مرضه. ولهذا السبب، لن تكون لدينا الفرصة للاستماع إلى الشروح الأخرى التي كان بمقدوره تقديمها بشأن موضوعات شتى بين علوي وواقعي، والاستفادة بها. ومن ثم، ينبغي أن نقنع بما تركه وراءه؛ وهو أمر مستحيل إذا ما أخذنا في الاعتبار الاستمتاع والتبصر اللذين يمنحنا إياهما في كتابه هذا، وقدرته التي لا ريب فيها على أن يمنحنا المزيد والمزيد لو أن القدر عامله بالاهتمام نفسه الذي عامل به قراءه.

تمهيد موجز، لكنه ضروري

للأسف عليك بالفعل قراءة هذا التمهيد في البداية حتى تتمكن من فهم خصائص بنيوية معينة، وأجزاء مما قد يبدو ترميزا في النص الأساسي. ومن صور هذا الترميز الاختصار «م. إ.» الذي ستجده كثيرا في الكتاب. عليك أن تعلم أن هذا ليس لازمة أو خطأ مطبعيا، لكنها الأحرف الأولى من عبارة «معلومة إضافية» التي استخدمت مرارا وتكرارا في المسودات الأولية، حتى إنها تحولت، في نهاية المطاف، نظرا إلى كثرة تكرارها، من عبارة لغوية عادية كتقدمة لجملة، إلى رمز مجرد خارج النص، «م. إ.»، يعمل على تصنيف أجزاء معينة من النص بطريقة محددة سأشرحها وأوضحها الآن.

كغيره من كتيبات سلسلة «اكتشافات عظيمة»، يعد هذا الكتيب واحدا من المؤلفات المتخصصة التي كتبت باللغة الرائجة. وموضوع الكتاب مجموعة من الإنجازات الرياضية الشديدة التجريد والتخصص، التي تتسم بقدر كبير من العمق والإثارة والجمال في الوقت نفسه. والهدف هو مناقشة هذه الإنجازات بطريقة جذابة ومفهومة للقراء الذين ليست لديهم خلفيات أو خبرات متخصصة في مجال الرياضيات. إذن الهدف هو إضفاء الجمال على الرياضيات، أو على الأقل مساعدة القارئ على إدراك حقيقة أن الرياضيات مادة جميلة . كل هذا يبدو جيدا للغاية، بطبيعة الحال، باستثناء أن هناك عقدة بسيطة: كيف يمكنك أن تجعل عرضك المادة العلمية متخصصا دون أن ينصرف عنك ذهن القارئ ودون أن تغرقه في كم هائل من التعريفات والتعليقات الجانبية؟ إضافة إلى ذلك، إذا افترضت أن بعض القراء لديهم خلفية متخصصة أقوى من غيرهم بكثير، وهو أمر مستحسن، فكيف يمكن تناول الموضوع بطريقة يسهل على المبتدئين استيعابها دون أن تكون مملا أو مزعجا بالنسبة إلى شخص حصل على جانب كبير من دراسة الرياضيات في الجامعة؟

في هذا الكتاب، تشير عبارة «معلومة إضافية» إلى أجزاء من المادة العلمية التي يمكنك أن تتأملها، أو تفحصها، أو تتخطاها ببساطة إذا رغبت في ذلك. هذا معناه أن القارئ يمكن أن يتخطاها دون أن يفقد السياق. أكثر من نصف الحواشي السفلية في الكتاب «معلومات إضافية» يمكنك التعامل معها حسبما يتراءى لك، وكذلك الكثير من الفقرات المختلفة، بل وحتى مجموعة من الأجزاء الفرعية في متن الكتاب نفسه. بعض هذه الأجزاء الاختيارية عبارة عن استطرادات أو معلومات تاريخية عابرة،

1

وبعضها عبارة عن تعريفات أو توضيحات يعلمها القارئ الخبير بالرياضيات؛ ولذا لا داعي لإهدار وقته في قراءتها. لكن الكثير من الأجزاء المسبوقة بعبارة «معلومة إضافية» تستهدف القارئ الذي لديه خلفية متخصصة قوية أو اهتمام استثنائي بالرياضيات أو صبر غير عادي، أو كل هذه العناصر الثلاثة مجتمعة؛ إذ تسلط هذه الأجزاء الضوء بمزيد من التفصيل على أجزاء قد يمر بها النقاش الرئيسي سريعا أو يتغاضى عنها.

توجد أيضا اختصارات أخرى في هذا الكتيب، بعضها يقتصر الغرض منه على تقليل المساحة فحسب، والبعض الآخر هو نتاج مشكلة أسلوبية غريبة في الكتابة التقنية، وهي استخدام الكلمات نفسها مرارا وتكرارا بطريقة تجعلها غير ملائمة على نحو مزعج في النثر العادي؛ الفكرة هي أن بعض الكلمات التقنية لها دلالات محددة للغاية، لا يمكن أن تتوفر في أي مرادف لفظي، وهو ما يعني أن الاختصارات - لا سيما فيما يخص بعض أسماء الأعلام في مجال التكنولوجيا المتطورة - هي الطريقة الوحيدة لتحقيق أي شكل من التنويع. وفي الواقع، لا دخل لك بأي من ذلك. وعموما، إليك قائمة بالمصطلحات الرئيسية التي يمكن استعراضها والرجوع إليها عند الضرورة، وهذه المصطلحات هي ما تضمنتها قائمة الاختصارات في النسخة الإنجليزية:

صفحة غير معروفة