قال توم وهو ينظر إلى جورج باعتزاز وإعجاب: «وداعا سيدي جورج، فليباركك الرب! آه! لا يوجد الكثير مثلك في كنتاكي.» ثم ذهب بعيدا، وظل توم ينظر إليه حتى تلاشت قعقعة أقدام حصانه، وكان تلك النظرة وذاك الصوت آخر عهده بموطنه. لكن وعلى صدره شعر بدفء حيث وضع الصبي الدولار الذي علقه في خيط وربطه حول عنقه، فرفع توم يده وضمه إلى صدره.
الفصل السابع
يبرز أمامنا الآن مشهد هادئ، مطبخ كبير وفسيح بألوان متناسقة، وأرضية صفراء لامعة ومصقولة، ولا توجد عليها ذرة تراب واحدة؛ وبه موقد للطهي نظيف تماما وذو لون أسود رائع؛ وكذلك توجد صفوف من علب الطعام اللامعة التي توحي بوجود أشهى الأطعمة؛ كما يوجد بالمطبخ كراسي خشبية قديمة وقوية ذات لون أخضر لامع؛ وبه أيضا كرسي متأرجح ذو قاعدة مميزة الشكل وعليه وسادة مرسوم عليها أشكال كثيرة، ووسادة أخرى أكبر حجما من الأولى تبدو أقدم ومريحة أكثر - كان الكرسي عتيقا لكنه يجذب الانتباه، ويوحي بالكثير من الراحة - ذا قيمة كبيرة بطريقة تبعث على الراحة وكأنه شيء يعود إلى طبقة النبلاء في قاعات الاستقبال الخاصة بهم. على هذا الكرسي جلست صديقتنا العزيزة إلايزا تتأرجح للأمام والخلف بينما ثبتت نظرها على شيء كانت تحيكه. أجل، كانت جالسة على ذلك الكرسي وتبدو أكثر شحوبا ووهنا مما كانت عليه في منزل كنتاكي، وتحت عينيها كانت تحمل حزنا كبيرا فيما تسللت آثار الكآبة على شفتيها. كان من السهل أن يرى الناظر إليها كيف أن قلبها الشاب أصبح مثقلا وأكثر كآبة بفعل الحزن الشديد الذي يعتريها، وحين رفعت عينيها الواسعتين الداكنتين لتتبع صغيرها هاري وهو يتقافز كالفراشة على الأرض ويلعب هنا وهناك، ظهر في أعماقها نظرات الحزم والعزم التي لم ير مثلها عليها في أيامها السابقة والأكثر سعادة.
إلى جوارها جلست امرأة تضع وعاء معدنيا لامعا على ركبتيها، وفي ذلك الوعاء كانت تفرز به بعضا من الخوخ المجفف. ربما كانت في الخامسة والخمسين أو الستين من عمرها، لكن وجهها كان من الأوجه التي يبدو أن بصمة الزمن عليه لا تزيده سوى جمال وبهاء. كانت القلنسوة حول رأسها معصوبة على طريقة «الكويكرز»، والمنديل القطني الأبيض الناصع المرخى على صدرها مطويا في هدوء، بالإضافة إلى ردائها وشالها الرماديين؛ كل ذلك أشار في الحال إلى المجتمع الذي كانت تنتمي إليه. كان وجهها مستديرا متوردا، ذا بشرة رقيقة ملساء وكان يوحي بأنه ثمرة خوخ ناضجة. وكان شعرها فضي اللون بشكل جزئي، وقد فرقته إلى الخلف في سلاسة من منبته على جبهتها التي توحي بالسلام والنوايا الحسنة، وتحت جبهتها برزت عينان بنيتان بريئتان صافيتان حانيتان، يكفيك فقط أن تنظر مباشرة إليهما فتعرف أنك تنظر في أعماق أفضل وأوفى قلب نبض يوما في صدر امرأة.
قالت المرأة بينما كانت تنظر في هدوء إلى الخوخ: «إذن أنت ما زلت تفكرين في الذهاب إلى كندا يا إلايزا؟»
قالت إلايزا بنبرة حازمة: «أجل سيدتي، ينبغي أن أستمر في طريقي. لن أجرؤ على التوقف.» «وماذا ستفعلين حين تصلين إلى هناك؟ ينبغي أن تفكري في ذلك يا ابنتي.»
خرجت كلمة «ابنتي» من فم راشيل هاليداي بصورة طبيعية؛ ذلك أن وجهها وهيأتها أضفيا عليها طابع الأمومة تماما.
ارتعشت يدا إلايزا وتحدرت الدموع وتساقطت على ما كانت تحيكه، لكنها أجابت بنبرة حازمة: «سأفعل - أي شيء يمكنني أن أفعله. آمل أن أجد شيئا.»
قالت راشيل: «تعرفين أنه يمكنك البقاء هنا قدر ما تريدين.»
قالت إلايزا: «أوه، أشكرك. لكن» وأشارت إلى هاري ثم قالت وهي ترتعد: «لا يمكنني أن أنام ليلا؛ لا يمكنني أن أشعر بالراحة. لقد حلمت ليلة أمس أنني رأيت ذلك الرجل وهو يأتي إلى هنا.»
صفحة غير معروفة