إذن حزنت كليوباترا على أنطونيو وتوجت الجرة التي تحفظ رماده بطوق من الزهور وقبلتها. ثم أمرت بإعداد الحمام لها، وعندما انتهت من حمامها استلقت وأحضر لها الخدم وجبة رائعة. في ذلك الوقت، وصل فلاح مصري يحمل سلة، وعندما سأله الحرس عما بداخلها، أزال أوراق الشجر الموجودة فوقها وأراهم أنها مليئة بالتين. اندهش الحراس من حجم التين وجماله، بينما ابتسم الرجل ودعاهم إلى أخذ البعض منه، وهكذا هدأت شكوكهم وسمحوا له بإدخال فاكهته هذه إلى الملكة. وعندما تناولت كليوباترا عشاءها، أخذت لوحا كانت قد كتبت عليه شيئا من قبل ووضعت عليه ختمها وأرسلته إلى أوكتافيان قيصر. لم يمض وقت حتى صرفت جميع خدمها عدا خادمتين مخلصتين وأغلقت أبواب الضريح.
حاول أوكتافيان إنقاذ الملكة عندما تسلم رسالتها، لكنه فشل. ويخبرنا المؤلف أنه عندما فتح حرسه القبر وجدوا كليوباترا في زيها الملكي ومعها خادمتاها إيراس وتشارميون تحتضران. يحتوي الفصل 86 على تحليل بلوتارخ للقصص المحيطة بوفاة كليوباترا. توجد قصتان محتملتان؛ الأولى: أنه كان هناك ثعبان مخبأ تحت أوراق الشجر في سلة التين وعندما أزالت كليوباترا التين لدغها في ذراعها. أما الرواية الثانية فتقول إن الثعبان أحضر في وعاء وإن الملكة استفزته بوخزه بإبرة ذهبية حتى هاجم ذراعها. أما النسخة الثالثة من هذه القصة فتبدو الأكثر احتمالا وهي: أن كليوباترا كانت تحمل مشطا مجوفا في شعرها تخزن فيه السم. تبدو حيرة بلوتارخ واضحة؛ فهو يقول إنه لم يعثر على أية أفعى ولم يبد على الملكة العلامات المعتادة لرد الفعل تجاه السم. ويعلق على هذا قائلا إنه ورد عن بعض الناس رؤية ثقوب في ذراعها. ويبدو أن أوكتافيان كان يدعم نظرية الثعبان؛ لأنه عرض في موكب انتصاره بدلا من الملكة نفسها تمثالا لها مع أفعى. دفنت كليوباترا بجوار أنطونيو ويقال إن جثمانها وضع بجوار جثمانه. أنقذ أرشيبيوس، أحد أصدقائها، تماثيلها ودفع إلى أوكتافيان ألفي تالانت من أجل إنقاذها. ويقال إن هذه التماثيل كانت مصرية وما زالت موجودة (ووكر وهيجز 2001).
يتحدث سويتونيوس أيضا عن وفاة كليوباترا، وإن كان بإيجاز، في كتابه «أغسطس المؤله» (17). فيقول للقارئ: إن أغسطس «أراد بشدة أن يسوق كليوباترا وهي أسيرة في موكب انتصاره، حتى إنه أحضر أفارقة معروفين بقدرتهم على التعامل مع الثعابين من أجل مص السائل المسموم من لدغة الثعبان في ذراعها.» ويقول أيضا إن أغسطس كرم الملكة ومارك أنطونيو بالسماح بإتمام العمل في القبر الذي بنت جزءا منه وبالسماح للاثنين بأن يدفنا معا.
كتب ديو، مثل بلوتارخ، عرضا مطولا لوفاة كليوباترا (بدءا من الفصل 10 فصاعدا)، وتشبه الرواية إلى حد كبير رواية بلوتارخ في كتابه «حياة أنطونيو». تبدأ القصة بهروب كليوباترا إلى قبرها ومعها رجل مخصي وخادمتان. وكما في رواية بلوتارخ ترسل رسالة إلى مارك أنطونيو تقول له فيها إنها قد ماتت. وفي رواية ديو طلب أنطونيو من الواقفين قتله، لكن رفيقه قتل نفسه. أراد أنطونيو أن يحاكي شجاعته وطعن نفسه بسيفه، وسقط على الأرض. اعتقد الباقون أنه مات. وهنا يرد وصف مفصل للقبر الذي حبست كليوباترا نفسها فيه، فيذكر المؤلف أن الأبواب كانت مغلقة بإحكام، لكن الجزء العلوي بالقرب من السقف لم يكن قد اكتمل بعد في ذلك الوقت. «حمل أنطونيو إلى الضريح ورفع إلى أعلى المبنى بالحبال التي كانت تتدلى من أجل رفع كتل الحجارة. وتوفي أنطونيو هناك بين ذراعي كليوباترا» (ترجمة ثاير، طبعة لوب).
في الفصل 11، بعد وفاة أنطونيو، استطاعت كليوباترا تحويل اهتمامها وعاطفتها تجاه أوكتافيان، إذا كان لنا أن نصدق كلام ديو. فيقول: إن كليوباترا وثقت في أوكتافيان، لكن ليس بالكامل. ويقول ديو: إن الملكة ظلت في ضريحها ومعها «نار من أجل إحراق ثروتها» ومجموعة من «الأفاعي والزواحف الأخرى من أجل قتل نفسها، وجربت هذه الحيوانات على أشخاص، حتى ترى كيف تقتل في كل مرة». كان هدفها شراء عفو والحفاظ على مصر. ويتفق هذا مع رواية بلوتارخ عن الأحداث.
يقول ديو، مثل بلوتارخ، إن أوكتافيان كان حريصا على الإمساك بكليوباترا وهي على قيد الحياة حتى يقدمها في موكب انتصاره. يوجد اتفاق بوجه عام بين المؤرخين القدماء والمعاصرين على أن خوف كليوباترا من حدوث هذا هو ما دفعها إلى الانتحار. وعقب المحاولة الأولى الفاشلة، أرسل أوكتافيان رجلا محررا آخر إلى كليوباترا وهو جايوس بروكوليوس، الذي قبض على الملكة قبل نهاية اجتماعه بها، وأبعد عنها الأشياء سابقة الذكر التي قد تؤذي بها نفسها وتدمر بها أيضا ثرواتها. هكذا لم يبق أمام كليوباترا إلا أن تحنط جثمان أنطونيو ثم أخذت فيما بعد من الضريح إلى القصور الملكية. بعدها طلبت الملكة لقاء أوكتافيان.
يصف الفصل 12 بالتفصيل اللقاء بين كليوباترا وأوكتافيان، ويسهب ديو في وصف محاولة كليوباترا إغراء القائد الروماني. إن صورة كليوباترا في هذا الموضع هي بلا شك وليدة الخيال الذكوري (انظر الفصل الأول): «وعليه جهزت غرفة رائعة وأريكة فاخرة، وارتدت ملابسها بإهمال مصطنع، وفي الواقع كان زي الحداد يبدو جيدا عليها، وجلست على الأريكة.» يقول ديو إن كليوباترا أحاطت نفسها بصور يوليوس قيصر، وأمسكت بخطاباته. ويقول ديو إنه عندما دخل أغسطس قدمت له كليوباترا خطابات القيصر حتى تحاول إغراء عدوها، فكتب ديو يقول:
بعدما قالت هذا، أكملت قراءة الكثير من التعبيرات العاطفية التي كتبها القيصر. وعندها كانت تنتحب وتقبل الخطابات، ومن جديد ركعت أمام صوره وأخذت تظهر لها الاحترام والتبجيل. ظلت تحول عينيها تجاه أوكتافيان قيصر وترثي مصيرها بنبرات حزينة. وتحدثت بصوت مؤثر متسائلة مرة: «فما جدوى خطاباتك هذه لي يا قيصر؟» ثم أضافت: «لكنني أراك حيا في هذا الرجل الموجود هنا» ومن جديد هتفت «يا ليتني مت قبلك» مضيفة «لكن ما دام هو معي، فكأنك أنت معي». كان تلك هي أساليب الدهاء التي استخدمتها في حوارها وتصرفاتها، فكانت ترمقه بنظرات عذبة وتهمس إليه بكلمات رقيقة. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)
يقول المؤلف إن أوكتافيان لم يظهر أية مشاعر تجاه أسيرته وفي يأس ألقت كليوباترا نفسها عند قدميه وبكت. تظهر كليوباترا في هذا الموضع ضعيفة الشخصية (فقد كانت امرأة في النهاية). وعند هزيمتها طلبت كليوباترا السماح لها بأن تدفن مع أنطونيو. أراد أوكتافيان بالطبع، كما يعلم القارئ، أن تظل كليوباترا على قيد الحياة (13)، وربما عندما أدركت كليوباترا هذا يقال إنها غيرت خططها وتظاهرت بعدم الرغبة في الموت. ولم ترد الوفاة في حد ذاتها إلا في فقرة قصيرة فيقول ديو:
أولا أعطت أبافروديتس رسالة مغلقة كي يوصلها بنفسه إلى أوكتافيان قيصر، ترجوه فيها أن يصدر أمرا بدفنها بجوار أنطونيو، وتظاهرت بأن الرسالة تتحدث عن أمر آخر، ثم بعد أن تخلصت بهذه الحجة من وجوده معها، بدأت في تنفيذ مهمتها، فارتدت أجمل ثوب لديها، وجلست في أنسب وضع ممكن، وأمسكت بيديها جميع شعارات الملكية، وهكذا ماتت. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)
صفحة غير معروفة