في مصر، أمام جموع الشعب لم يقم حفل زفاف، وإنما وقع عقد بين الزوجين. سمح هذا العقد بوقوع الطلاق، وأعطى بعض الحقوق إلى حد ما للطرفين. بالنسبة للإغريق، لا سيما الأسرة الحاكمة، كانت الشرعية أمرا مهما. بالطبع وصل أطفال غير شرعيين إلى الحكم، وكان والد كليوباترا أحدهم، لكن الموقف الذي وجدت كليوباترا نفسها فيه كان فريدا من نوعه؛ فقد أصبحت هي حاكمة مصر وتلعب دور العشيقة؛ فالعلاقات السابقة خارج إطار الزواج في الأسرة الملكية كانت تتضمن الحاكم الذكر لمصر وعشيقته. وعلى نحو غريب كانت كليوباترا تؤدي الدورين معا، الحاكمة والعشيقة. كان كل من يوليوس قيصر وأنطونيو متزوجين من زوجات رومانيات. في حالة أنطونيو، كان لديه زوجتان؛ فولفيا وأوكتافيا فيما بعد، وقد تزوج الأخيرة بعد ولادة أطفاله من كليوباترا. تعتمد أهمية الزواج بالنسبة لكليوباترا إلى حد كبير على موضع طموحاتها؛ فإذا كانت تهتم بالحفاظ على الأسرة الحاكمة المصرية فقد نجحت في ذلك، ليس من خلال أنطونيو ولا أطفالها منه، وإنما من خلال ابنها الأول. قد يقول البعض إن كليوباترا حولت وفاة القيصر وتأليهه فيما بعد إلى صالحها. ومع ذلك، إذا كانت طموحات كليوباترا تتخطى حدود مصر وأقاليمها (كما قد نستنتج من عطايا الإسكندرية) فإن الوضع القانوني لأطفالها الرومان يصبح إحدى القضايا السياسية الرئيسية.
كان هناك أيضا عشيق ذكر لأنطونيو اسمه ميسالا ، كان رفيق بروتس، ثم أصبح، على حد قول أبيان («الحروب الأهلية» 4. 38) «على صلة وثيقة» بأنطونيو إلى أن أضحى أنطونيو عبدا لكليوباترا. وهكذا لم تظهر كليوباترا على أنها دمرت مصالح أنطونيو فحسب، بل ربما يستخدم هجره لميسالا أيضا كدليل على تخليه عن التقاليد الرومانية. (3-1) وضع مارك أنطونيو في مصر
لم يتقلد مارك أنطونيو أي منصب رسمي داخل النظام الملكي المصري؛ فقد كان بطليموس قيصر هو وريث كليوباترا المختار ولم يستطع أنطونيو حتى ادعاء أنه والده. فلم يكن الجنرال الروماني يمارس دور الحاكم والوصي إلا خارج البلاد، ولا يوجد إلا عدد قليل من الآثار لمارك أنطونيو في مصر. يتمثل أحد هذه الاستثناءات في قاعدة تمثال عثر عليها في الإسكندرية، تشير إلى رابطة محبي الحياة المتفردين، المشار إليها في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» (28؛ ووكر وهيجز 2001: 232). تشير الكتابة المنقوشة إلى تمثال لمارك أنطونيو، غير موجود حاليا لكنه بالتأكيد كان مصنوعا على الطراز الإغريقي/الروماني، كما يظهر من آثار الأقدام الموجودة فوق القاعدة، وربما كان مصنوعا من البرونز. صنعت قاعدة التمثال من الجرانيت وكتب النقش عليها بالإغريقية ويقول: «أنطونيو، العاشق العظيم، العاشق الذي لا نظير له، وباراسيتوس [أقام هذا التمثال] تكريما لربه والمنعم عليه، اليوم ال 29 من كيهك السنة ال 19»؛ وكان تاريخ ذلك 28 ديسمبر عام 34 قبل الميلاد. وباراسيتوس (أي المتطفل) هو اسم صانع التمثال وهو على الأرجح تورية تشير إلى حالة التطفل التي كان عليها واعتماده على مارك أنطونيو وأمواله.
يبدو أن أنطونيو تبنى مفهوم الألوهية، وهو اهتمام أدى إلى سقوط قيصر، إذا كانت المصادر صحيحة، وللمفارقة سيصبح تأليه الحاكم مقبولا في حالة أوكتافيان عند توليه الحكم بصفته إمبراطورا وتحوله إلى أغسطس. ويقال إن أنطونيو كان يرتدي زي ديونيسوس في أثناء الاحتفالات الرسمية بالإسكندرية. (4) كليوباترا سفيرة لمصر
تركزت علاقات كليوباترا الخارجية على روما في الأساس. وسيطرت هذه العلاقة على كثير من جوانب حكمها؛ ونتيجة لذلك سيطرت على كثير من سير حياة الملكة. توجد ثلاثة محاور رئيسية تكون السياسة الخارجية في عهد كليوباترا؛ أولا: وجود الرومان في مصر، وثانيا: وجود كليوباترا في روما، وأخيرا: الأراضي والامتيازات التي حصلت عليها كليوباترا، خاصة من مارك أنطونيو في الجزء الثاني من حكمها، فأصبحت سوريا وقبرص تحديدا مناطق مهمة لدى كليوباترا.
كانت نسبة كبيرة من القوات المسلحة في مصر في عهد كليوباترا من الرومان (شوفو 2000: 167-168)؛ فقد أعيد أوليتس إلى العرش بمساعدة القوات الرومانية وإضافة إلى ذلك ترك قيصر ثلاثة فيالق في الإسكندرية لحماية حكم الملكة الضعيف مع أخويها. كانت قوات كليوباترا البحرية لا تزال قوية وكانت تقدم بها المساعدة للقادة الرومان في أثناء فترة حكمها. لقد ورثت كليوباترا مملكة ضعيفة من كافة النواحي تعتمد على المساعدة الخارجية في الحفاظ على نظامها. ورغم ذلك، كانت إنجازاتها التي حققتها بمجرد انفرادها بالحكم مذهلة، لا سيما بسبب كثرة الوقت الذي قضته في الخارج في أثناء حكمها، والذي سمح لأعدائها داخل البلاد بالسيطرة على الحكم في أثناء غيابها. ثمة تصور بأن أوليتس وابنته كانا يعتقدان أنهما يستطيعان حكم منطقة البحر المتوسط كجزء من قوة رومانية بطلمية مشتركة (هولبل 2001: 306). (4-1) ممتلكات البطالمة خارج مصر
عندما تولت كليوباترا الحكم تقلص حجم ممتلكات البطالمة الخارجية إلى حد كبير؛ فقد قدمت الأراضي هدايا للأعضاء غير الشرعيين في العائلة وإلى الرومان كأداة للتفاوض، فقد كان آخر حكام الأسرة متعطشين للسلطة حتى إنهم كانوا مستعدين على ما يبدو للموافقة على أي عدد من الصفقات التي ربما دمرت فرص خلفائهم في البقاء. كانت كليوباترا مختلفة إلى حد ما عن أسلافها المباشرين وتمكنت في الجزء الثاني من حكمها من تجميع أراض قد تضاهي ممتلكات البطالمة الأولى.
كان ينظر إلى كليوباترا على أنها تمثل تهديدا حقيقيا للأراضي الرومانية؛ فقد كانت الأراضي الرومانية تحت حكم مارك أنطونيو مقسمة إلى فئتين؛ الأراضي تحت حكم الملوك التابعين الذين يعينهم أنطونيو، والأراضي التي ضمها بومبي في السابق (ووكر وهيجز 2001: 233). اتهم بروبيرتيوس كليوباترا بمحاولة «... نشر ... خيمها ... في هضبة الكابيتول» («المرثيات» 3. 11. 55-56؛ سلافيت 2002) في قلب روما ويستمر في التساؤل «ما معنى تاريخنا إذا كان يؤدي إلى حكم امرأة؟» (61، سلافيت 2002). يشير بعض الكتاب، مثل يوسيفوس على سبيل المثال، إلى أن كليوباترا طلبت من أنطونيو الأراضي التي حصلت عليها.
طالما لعبت جزيرة قبرص دورا سياسيا مهما في إيواء المنفيين. لقد تركت الجزيرة لروما عام 80 قبل الميلاد وفي عام 58 قبل الميلاد ضمت إليها نهائيا (هولبل 2001: 226). تباطأ الرومان في السيطرة على هذه المنطقة. في موسوعة سترابو («الجغرافيا» 14. 5. 3) ذكرت الأراضي التي حصلت عليها كليوباترا عرضيا وضمت أماكسيا، التي كان الخشب يشترى منها من أجل بناء السفن، ومكان الإقامة الملكي الذي كان ملكا للملكة، وقبرص التي أعطاها أنطونيو لكليوباترا وأختها أرسينوي (14. 6. 6).
استدعى أنطونيو كليوباترا وطفليها التوأمين البالغين من العمر 4 سنوات إلى أنطاكية عام 37 قبل الميلاد (بلوتارخ، «حياة أنطونيو» 36. 5). وحصلا في ذلك الوقت على لقبيهما كليوباترا سيليني والإسكندر هيليوس. كان أنطونيو مسئولا عن إمبراطورية روما الشرقية وفي شتاء عام 37 / 36 قبل الميلاد أضاف عددا كبيرا من الأراضي إلى الأراضي البطلمية التي تحكمها كليوباترا (هولبل 2001: 242-244). منحت كليوباترا مدينة قنسرين في لبنان عقب وفاة ملكها (فرفوريوس 260 إف2. 17)، ومنطقة يهودا في فلسطين، ومملكة الأنباط المجاورة لها. عززت هذه «الهدايا» ممتلكات البطالمة إلى حد كبير ويوجد اتفاق عام حاليا على أن أنطونيو لم يقدمها تعبيرا عن عاطفته تجاه الملكة وإنما كجزء من برنامجه السياسي في الشرق (هولبل 2001: 242). توجد أهمية كبيرة للعملات التي ضربت في هذه المنطقة بسبب أسلوب عرضها لهذين الحاكمين؛ إذ تشير إلى أن أنطونيو وكليوباترا حكما هذه المنطقة ككيان واحد (هولبل 2001: 242). (4-2) التعامل مع حكام آخرين
صفحة غير معروفة