ولست أطيل في القول، فما أنا ببالغ من القول بعض صفاته، وهيهات أن يصفه على الحقيقة إلا من يعلم لغة الملائكة، فينقل إلى لغة الناس كتاب سيئاته. •••
قال «الشيخ علي»: ذلكم هو «الكونت فيكتور»؛ رجل أملق أموال الناس وزادها في ماله، وجمع بين سوء حمل الغني وسوء حمل الجاه، وعرف النعمة ونسي المنعم بها، فكأنما فتح الله عليه من هذه الدنيا، ومكن له في أبوابها، وأفشى جاهه ونعمته على ما ابتلاه به في خاصة نفسه من المحق؛ ليجعله واحدا من أولئك الذين يخرج للناس من تواريخهم قصصا في الأخلاق محكمة السبك، في نسق التأليف الإلهي المعجز الذي يأتي بالحادثة إلى موضعها حية وميتة، وينزل الكلمة في مستقرها من الموعظة، ولو أن فيها ذهاب نفس وإدبار نعمة، ويدير المثل والفلك بأسلوب واحد .
وقد أسند هذا الرجل في حدود السبعين وكادت تحطمه السن، ولا يزال متأبدا
8
لم يستر سقف بيته امرأة، ولا ضحكت الشمس فيه على وجنة طفل يتبسم، وقد نشأ على أن حب المال لا يستقيم إلا ببغض النساء؛ لأنه أكثر ما يجمع لهن، وأكثر ما ينفق عليهن، ولا يرى المرأة إلا أنها «ثورة مالية»، «وسوق في البيت» و«أزمة يحتال الرجل للخلاص منها بالوقوع فيها»، ويقول إنها منذ أكلت من الشجرة الملعونة في السماء جعلت الرجل شجرتها الملعونة في الأرض، فهو ما عاش ينبت وينمو، وهي ما عاشت تحصد وتأكل. وقال مرة: إن الرجل لا يزال عقلا حتى يتزوج، فإذا هو فعل فقد صار من زوجه وأولاده سلسلة بطون. فقيل له: ولم لا يكون يومئذ من زوجه وأولاده سلسلة عقول؟ قال: إلى أن يصبح أطفاله القدماء رجالا يكون هو قد صار طفلهم القديم!
وجاءه يوما سمسار يساومه في أرض له، وجعل يراوغه ويترقى إلى خديعته بما أوتي السماسرة من خبث ودهاء، ويقبل به مرة ويدبر به مرة، والكونت في كل ذلك يعبث به وينمي له،
9
ثم صرفه على طمع كاليأس، فلما ذهب مدبرا قال: ويحي! لو أن هذا السمسار كان امرأة جميلة إذن لأدارني في يده كما يرقص الدينار على الظفر؛ فالحمد لله إذ خلق النساء على نظام رحيم، فجعل في هذا الشر المحتوم موضعا للهرب!
ولما بلغ الخمسين - بعافية من الله - قال: أحسبني لو كنت متزوجا يوما فإن امرأتي في هذه الساعة تلتقم ثدي أمها؛ فسأنتظر حتى تصلح لي! فأجابه بعضهم: وحتى تصلح لها أيضا!
وتواصفوا عنده الجمال مرة، وأفاضوا في حديث النساء والنعمة بهن - وقد تعالم الناس ذلك البغض منه - فلما أضجروه قال: حسبكم يا قوم، ما أراكم إلا تخلقون إفكا؛ إن هذه المرأة في حقيقتها غير تلك المرأة في وهم الرجل، فهي هي حتى يبعث عليها وهمه ويصبغها بألوان نفسه وتستضيء به، فكأنها منه أمام الفانوس السحري! إن المرأة خصم عنيد لا يقتل بالغضب ولكن يقتل بالضحك، وشر ما فيها أنها إن لم يكن منها قتل فليس معها حياة.
صفحة غير معروفة