ومع أن عنصر الروعة ينبغى إدخاله فى التراجيديا فإن الشعر الملحمى أشد قبولا لغير المعقول، لأن الشخص لا يرى وهو يعمل، ومخالفة العقل هى أكبر ما يعتمد عليه عنصر الروعة. فمطاردة هتكور مثلا لو وضعت على مسرح لأضحكت. فاليونانيون واقفون لا يشتركون فى المطاردة، وأخيل يمنعهم أن يفعلوا. أما فى الملاحم فلا يلحظ ذلك. والأمر العجيب يلذ، ويكفى لإثبات ذلك أن كل من يروى قصة يضيف إليها بعض العجائب ليسر السامعين. وقد كان هوميروس خاصة هو الذى علم الشعراء الآخرين كيف يتقنون الكذب. وما ذلك إلا القياس الكاذب، فإذا كان وجود شئ ما يتبعه وجود آخر، أو حدوث شئ ما يتبعه حدوث آخر، فإن الناس يظنون أنه إذا وجد الآخر وجد الأول أو حدث. ولكن هذا خطأ، فإذا كان الأمر كاذبا فليس من الضرورى إذا وجد الثانى أن يقال إن الأول موجود، لأن علمنا بصدق التالى يخدع عقولنا إلى القول بصدق الأول، وذلك كما فى «منظر الحمام» فى الأوديسية.
وينبغى أن يؤثر الشاعر استعمال المستحيل المعقول على استعمال الممكن غير المعقول. فلا يصح أن تؤلف القصة من أجزاء غير معقولة بل يجب أن تخلو من كل ما هوغير معقول، إلا أن يكون ذلك خارج القصة، كما جهل أوديبوس كيف مات لايس، لا داخلها كما فى «إلكترا» من حديث الرسول عن الألعاب البيثية، أو كما فى «الميسيون» من مجئ شخص من تيجيا إلى ميسيا دون أن ينطق بحرف. ومن المضحك أن يقال إنه لو لا ذلك لتداعت القصة، فمثل هذه القصة ما كان ينبغى أن تؤلف أصلا. أما إذا جئ بها وبدت معقولة فينبغى أن تقبل على الرغم من سخافتها. فإن القطع غير المعقولة فى الأوديسية — تلك التى تدور حول طرح أوديسيوس على شاطئ إيثاكا — ما كانت لتحتمل لو تناولها شاعر آخر، أما الآن فإن الشاعر يحجب سخافتها بما يضفيه عليها من ضروب الإجادة.
وينبغى أن يعتنى ببراعة العبارة فى الأجزاء الراكدة التى تخلو من عنصرى الأخلاق والفكر. فإن الإسراف فى تنسيق الأسلوب — على العكس — يطمس عنصرى الأخلاق والأفكار.
صفحة ١٤٠