على أن الملحمة تمتاز خاصة بقبولها لأن تمتد أبعادها، وسبب ذلك أنه لا يستطاع فى التراجيديا محاكاة أجزاء كثيرة فعلت فى وقت واحد، بل يجب أن يوقف عند الجزء الذى يجرى على المسرح وبين الممثلين؛ أما الملحمة فيمكن — بفضل أسلوبها الروائى السردى — أن يؤتى فيها بأجزاء كثيرة تفعل فى وقت واحد، وهذه الأجزاء إذا أحكم ربطها بالموضوع زادت القصيدة بهاء. وامتياز الملحمة من هذه الناحية يفضى إلى امتيازها بروعة التأثير والتنقل بالسامع وتخفيف القصة بلواحق مختلفة، فإن التشابه سرعان ما يحدث السأم ويؤدى بالتراجيديات إلى السقوط.
أما عن العروض فقد أثبت الوزن السداسى — أو الملحمى — صلاحه بحكم التجربة. فلو أن قصيدة روائية نظمت فى وزن آخر أو فى جملة أوزان لبدت نافرة قلقة؛ ذلك بأن الوزن السداسى هو أرزن الأوزان وأبهاها، وأنه أكثر قبولا للغريب والاستعارة، وهما بعض ما تتميز به المحاكاة الروائية. أما الوزن الأيامبى والوزن التروخائى فوزنان تشيع فيهما الحركة، فأحدهما مناسب للرقص والثانى مناسب للعمل. وأبعد من هذا عن التوفيق أن تمزج هذه الأوزان كما كان يفعل خيريمون. ولذلك لم تنظم قط قصيدة على شئ من الطول فى وزن غير الوزن السداسى، فإن الطبيعة نفسها — كما قلنا — تعلمنا اختيار الشئ المناسب.
صفحة ١٣٦