كتاب الزيارة من أجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية
محقق
سيف الدين الكاتب
الناشر
دار مكتبة الحياة الطباعة والنشر
لكون النبي صلى الله عليه وسلم رؤي عنده؟ فيقال: بل تعظيم مثل هذه الأمكنة واتخاذها مساجد ومزارات لأجل ذلك هو من أعمال أهل الكتاب، الذين نهينا عن التشبه بهم فيها. وقد ثبت أن عمر بن الخطاب كان في السفر فرأى قوماً يبتدرون مكاناً، فقال: ما هذا؟! فقالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ومكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمضِ، وهذا قاله عمر بمحضر(٨٨) من الصحابة.
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أسفاره في مواضع، وكان المؤمنون يرونه في المنام في مواضع، وما اتخذ السلف شيئاً من ذلك مسجداً ولا مزاراً. ولو فتح هذا الباب لصار كثير من ديار المسلمين، أو أكثرها مساجد ومزارات، فإنهم لا يزالون يرون النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقد جاء إلى بيوتهم، ومنهم من يراه، مراراً كثيرة، وتخليق(٨٩) هذه الأمكنة بالزعفران بدعة مكروهة.
وأما ما يزيده الكذابون على ذلك مثل أن يرى في المكان أثر قدم، فيقال: هذا قدمه، ونحو ذلك، فهذا كله كذب والأقدام الحجارة(٩٠) التي ينقلها من ينقلها ويقول إنها موضع قدمه كذب مختلق، ولو كانت حقاً لسنّ للمسلمين أن يتخذوا ذلك مسجداً ومزاراً.
(٨٧) المزار: يطلق على الزيارة وعلى موضعها أيضاً. والمزارات ما يزار من أماكن قبور الأنبياء والأولياء عند بعض المسلمين وقبور القديسين عند النصارى مزارات لهم.
(٨٨) بمحضر: أي بحضورهم وشهودهم. والمحضر: القوم الحاضرون.
(٨٩) تخليق المكان: تطييبه بالخلوق.
(٩٠) الأقدام الحجارة: يراد بها ما يتوهمه بعض العوام أنها أثر قدم النبي أو الولي على قطعة الحجارة التي يحفظونها في بعض المساجد مغطاة محفوفة بالإعظام والتكريم.
49