فقال خيان: خير الرأي ما سبقته المشورة.
فالتفت سيكننرع إلى الحاجب حور وقال: تقدم الرسول إلى الجناح المعد له.
فقام الرسول بجسمه القصير الضخم، وانحنى تحية، ثم ذهب يسير في خيلاء وعظمة.
3
وأرسل الملك في طلب ولي عهده الأمير كاموس، وجاء الأمير على عجل دل على رغبته في معرفة رسالة حاجب أبوفيس، وحيا الملك في إجلال، واتخذ مكانه إلى يمينه، والتفت إليه الملك وقال: لقد أرسلت في طلبك أيها الأمير لأطلعك على بلاغ رسول الشمال، لترى فيه معنا رأيك، وإن الأمر لجد خطير، فأصغ إلي!
ثم روى الملك لولي عهده ما قاله الرسول خيان بالتفصيل المبين، وأصغى الأمير لوالده باهتمام شديد بدا على محياه الحسن الذي يشبه أباه في لون بشرته وقسماته وبروز أسنانه العليا، ثم أدار الملك عينيه في الحاضرين، وقال: فها أنتم أولاء أيها السادة ترون أنه لكي نرضي أبوفيس ينبغي أن نخلع هذا التاج، ونذبح أفراس البحر المقدسة، ونشيد معبدا لست يعبد فيه إلى جانب معبد آمون، فأشيروا علي بما يجب عمله.
وكان الاستياء البادي على وجوههم جميعا يدل على ما يعتلج في صدورهم من الهم، وكان الحاجب حور أول المتكلمين، فقال: مولاي، إن الذي أنكره أكثر من هذه الرغبات نفسها هو الروح الذي أملاها، فهو روح سيد يملي على عبده، وملك يتجنى على شعبه، وما أراها إلا صورة متجددة لذلك النزاع القديم بين طيبة ومنف، هذه تسعى لاستعباد تلك، وتلك تتشبث باستقلالها ما وسعتها الحيلة، وما من شك في أنه يسوء الرعاة وملكهم أن تظل مملكة طيبة مغلقة الأبواب دون حكامهم، ولعلهم لا يقنعون بما يدعون من أن هذه المملكة ولاية مستقلة تابعة لتاجهم، فأرادوا أن يبطلوا مظاهر استقلالها، ويتحكموا في عقيدتها، فيسهل عليهم بعد ذلك تدميرها.
وكان حور في إلقائه قويا صريحا، فذكر الملك تاريخ تحرش ملوك الرعاة بحكام طيبة، وكيف كان هؤلاء يدفعون شرهم بالرد الجميل والهدايا والتظاهر بالخضوع لكي يحفظوا الجنوب من توغلهم وشرهم، وكان لأسرته في هذا السبيل فضل، وأي فضل، حتى استطاع والده سيكننرع أن يدرب قوات عظيمة سرا ليصون بها استقلال مملكته، إذا لم تنفع الحيلة والتظاهر بالولاء في صوته، ثم قال القائد كاف: مولاي .. أرى أنه لا يجوز التسليم بأي مطلب من هذه المطالب، كيف نرضى بأن يخلع مولانا تاجه من على رأسه؟ .. كيف نقتل الأفراس المقدسة إرضاء لعدو أذل قومنا؟ .. وكيف نشيد معبدا لرب الشر الذي يعبده أولئك الرعاة؟
وقال الكاهن الأكبر نوفر آمون: مولاي .. إن الرب آمون لا يرضى أن يشيد إلى جانب معبده معبد لإله الشر ست، ولا أن ترتوي أرضه الطاهرة بدماء الأفراس المقدسة، ولا أن ينزل حامي مملكته عن تاجه وهو أول حاكم للجنوب توج به رأسه بأمره .. كلا يا مولاي إن آمون لا يرضى بذلك أبدا، وإنه لينتظر من يخرج على رأس جيش من أبنائه لتحرير الشمال، وتحقيق وحدة الوطن، فيعود كما كان في عهود الملوك السالفين.
فجرى الحماس في عروق القائد بيبي مجرى الدماء ، ووقف بقامته الفارعة ومنكبيه العريضين، ثم قال بصوته الجهوري: مولاي؛ صدق رجالنا العظام فيما قالوا، وإني لعلى يقين من أنه لا يراد بهذه المطالب سوى عجم عودنا وترويضنا على الذل والخضوع، وهل من دليل وراء أن يطالب ذلك الهمجي الهابط وادينا من أقاصي الصحاري الماحلة إلى مليكنا أن يخلع تاجه ويعبد رب الشر ويذبح الأفراس المقدسة؟ .. لقد كان الرعاة فيما مضى يطلبون أموالا فلم نبخل عليهم بأموالنا، أما الآن فإنهم يطمعون في حريتنا وشرفنا، ودون ذلك يهون علينا الموت ويطيب، إن قومنا في الشمال عبيد يحرثون الأرض ويحترقون بألسنة السياط، ونحن نرجو أن نخلصهم يوما مما يعانون من عذاب، لا أن نمضي بإرادتنا إلى مثل مصيرهم التاعس.
صفحة غير معروفة