كان فرعون في تلك الأثناء يشرف على توزيع قواته في وادي كبتوس ويرمق بعينين أسيفتين جموع المهاجرين الذين لا ينقطع تيارهم المتدفق، وكان يشاركهم آلامهم كأنه واحد منهم، ويضاعف في ألمه ما يحمله الهواء إلى أذنيه من هتافهم باسمه ودعائهم له.
وكان القائد بيبي على اتصال دائم برجال الكشافة فيتلقى الأخبار منهم ثم يرفعها إلى مولاه، فبلغه هجوم العدو على أبيدوس ومقاومة حاميتها الصغيرة مقاومة عنيدة أتت على آخر رجل منهم، وغداة اليوم التالي حمل الرسول نبأ هجوم الهكسوس على مدينة برفا وما احتال بها الرجال المدافعون عنها من فنون الدفاع والمشاكسة لكي يعطلوا زحف العدو ما وسعتهم الحيلة ، أما تنثيرا فقد ثبتت حاميتها للعدو الزاحف ساعات طوالا حتى اضطر أن يهاجمها بقوات كثيرة كأنما يهاجم جيشا كامل العدد والعدة، ثم قرر الكشافة وبعض الضباط الذين نجوا من حاميات المدن المغزوة أن قوات العدو يترجح عددها بين خمسين ألفا وسبعين، أما فرقة العجلات فلا تقل عن ألف عجلة، وقد تلقى الملك النبأ الأخير بغرابة وجزع؛ لأنه لم يكن هو - ولا أحد من جيشه - يتوقع أن يملك جيش أبوفيس هذا العدد الضخم من العجلات، وقال لقائده: كيف تقاوم فرقة عجلاتنا هذا العدد الهائل من العجلات؟
وكان بيبي في حيرة من أمره، وكان يلقي على نفسه هذا السؤال فقال لمولاه: ستنهض فرقة القسي بواجبها يا مولاي.
فهز الملك رأسه دهشة وقال: لم تكن العجلات من آلات الحرب لدى الرعاة، فكيف يكون لجيشهم أضعاف ما لجيشنا منها؟ - والمؤلم يا مولاي أن تكون الأيدي التي صنعتها مصرية! - حقا إنه لمؤلم .. ولكن هل تنفع القسي في مقاومة سيل من العجلات؟ - إن جنودنا يا مولاي لا يخطئون أهدافهم، وسيرى أبوفيس غدا أن الغلبة لسواعدهم على كثرة عجلاته!
وفي ذلك المساء خلا فرعون إلى نفسه وكان يشعر بضيق وانقباض، وصلى للرب صلاة حارة طويلة ضارعا إليه أن يشرح صدره، ويثبت قلبه، ويكتب له ولجيشه النصر.
وأحس الجميع دنو العدو، فضاعفوا من يقظتهم، وناموا ليلتهم جزعين يرجون أن يطلع الصبح ليلقوا بأنفسهم في معركة الموت.
10
واستيقظ الجيش قبل بزوغ الفجر بزمن غير يسير، وأخذ الرجال الأشداء من حملة القسي أماكنهم الحصينة في الميدان، يؤيد كل جماعة منهم قوة صغيرة من العجلات، ووقف سيكننرع أمام خيمته مع قائده بيبي وسط هالة من رجال حرسه الأشداء، وكان يقول لهم: «ليس من الحكمة أن نقذف بفرقة العجلات لمواجهة قوات لا قبل لها بها، ولكن هذه العجلات المبعثرة ستعاون رماتنا المحصنين على إصابة فرسان العدو وجياده، وليس من شك في أن أبوفيس سيبدأ هجومه بالعجلات، لأن فرق الجيش الأخرى لا تلتقي حتى يفصل في معركة العجلات، فليكن همنا موجها إلى إصابة عجلات الرعاة بالعجز، حتى نمكن لفرق جيشنا التي لا تقاوم بخوض المعركة والقضاء على عدونا.»
وكانت فكرة القضاء على عجلات العدو حلمه الذي يهيم به، وكان يدعو ربه آمون في صدق ورجاء قائلا: أيها الرب المعبود، اقض لنا بالغلبة على هذه العقبة ... وانصر أبناءك المؤمنين، فلئن تخذلهم اليوم لن يذكر اسمك في مثواك المكرم، وتغلق أبواب معبدك المطهر!
وركب الملك عجلته، وفعل القائد بيبي مثله، وأحاط بهما الحرس الفرعوني، ووقف خلفهما مائة عجلة حربية، ثم تقدمت فرقة الرماح ورصت صفوفها إلى يمين الملك وإلى شماله، وكان الجميع ينتظر أن يدعى إلى القتال بعد أن تقوم قوات الرماة والعجلات التي تؤيدها بواجبها الأول.
صفحة غير معروفة