وماذا وراءنا؟
على رأيك ... ماذا وراءنا.
كان ذلك في مولد الشيخ السمالوطي بالصعيد، وكان فهيم الحوت حديث التعيين في مصلحة السكة الحديد، وكان يعمل خفير مزلقان يومذاك، فما كاد ينتهي من عمله حتى سارع إلى المولد. كان الترك وهو المسرح الرسمي للمولد واضعا صورة ضخمة فخمة على واجهته، وكانت الصورة تمثل امرأة رآها فهيم جميلة غاية الجمال! وإذا عرفت أن فهيم هذا لم ير في حياته امرأة إلا أمه، وهي امرأة غاية في القبح تزوجها أبوه دون أن يراها، وأختيه وهما أقبح من أمهما؛ لأدركت سبب إعجابه بالصورة وصاحبتها.
وهذه قصة أخرى ولكنها قصيرة ... كان أبوه خفيرا، وكان حريصا على وظيفته كل الحرص؛ فلم يجد وسيلة خيرا من أن يخطب ابنة شيخ الخفراء دون أن يسأل عن شيء من حقائقها؛ فالحقيقة الوحيدة عنده أنها ابنة شيخ الخفراء.
ولم يكن يتصور أنها بهذا القبح كله، حتى لقد كان كثيرا ما يرى أنها أجدر من أبيها بالوظيفة من حيث الرجولية والاخشوشان، ولكنه رضي مرغما بما وقع فيه. وولدت له فهيم أول ما ولدت ثم أتبعته بثلاثة رجال وبنتين جمعوا جميعا أقبح ما في الأم وأقبح ما في الأب.
إذا عرفت هذا جميعه استطعت أن تتصور نوع الجمال الذي يمكن أن يعجب فهيم.
كانت أمه وأختاه عجفاوات كأنهن عصا الخفراء، وكانت الراقصة توحة سمينة مفرطة السمن. كانت أمه وأختاه ذوات أنوف فطساء، وكان أنف توحة واثبا من الصورة كأنه نفير من فم نافخ واستقر عند الأنف، كانت أمه وأختاه - أراني سأطيل المقارنة - كل هذه تفاصيل لا تعنيك ولا تعنيني في شيء، المهم أن فهيم اشترى التذكرة ودفع المليمين ودخل الترك.
وانتهى العرض وخرج فسأل: أهذا آخر عرض؟ - بل أول عرض. - وكم مرة ستعرضون؟ - خمس مرات. - فأعطني لكل عرض تذكرة.
ودفع قرشا صاغا كاملا.
كيف السبيل إلى توحة؟ كان هذا هو السؤال الذي انفجر في كيانه، ولم يكن هذا مجرد سؤال، وإنما خيل إليه في لحظته تلك أن الوصول إلى توحة يمثل له كل الآمال التي يمكن أن يتعلق بها مستقبله.
صفحة غير معروفة