الناس عند ذلك فريقين، وسلكوا طريقين: فريق انقاد للعمل بلا إله إلا الله. والآخر حاد لعلمه أن دين آبائه تبطله ١ لا إله إلا الله. فسبحان من فاوت بين عباده بمقتضى حكمته ومراده؛ ذلك من أدلة لا إله إلا الله. فطوبى لمن عرف معناها فارتضاها، وعمل باطنا وظاهرا بمقتضاها، فيكون قد حقق لا إله إلا الله. وويل لمن صاده الشيطان بالأشراك، فرماه في هوة الإشراك، فأبى واستكبر عن الانقياد للا إله إلا الله. ألم تسمعوا قول الله: ﴿وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ٢ حقيقة لا إله إلا الله، الذي هو إفراده بجميع العبادات، وتخصيصه بالقصد والإرادات، ونفيها عما سواه من جميع المعبودات التي نفتها لا إله إلا الله. وذلك هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله الذي لا يبقي في القلب شيئا لغير الله، ولا إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما به أمر الله. هذا والله هو حقيقة لا إله إلا الله. وأما من قالها بلسانه، ونقضها بفعاله، فلا ينفعه قول لا إله إلا الله. فمن صرف لغير الله شيئا من العبادات، وأشرك به أحدا من المخلوقات، فهو كافر ولو نطق ألف مرة بلا إله إلا الله.
قيل للحسن رحمه الله تعالى: "إن أناسا يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قالها وأدى حقها وفرضها أدخلته الجنة لا إله إلا الله". وقال ابن منبه لمن قال له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: "بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك، لأنك في الحقيقة لم تقل لا إله إلا الله". فيا ذوي الأسماع العتيدة، لا تظنوا أمور الشرك منكم بعيدة؛ فإن هاهنا مهاو شديدة
_________
١ في طبعة السلفية: يبطله.
٢ سورة الزخرف آية: ٨٦.
1 / 56