ثالثا: اعتبار الخصوصية ملاذا مقدسا قد يضعف فرص اكتشاف المجرمين والإرهابيين والقبض عليهم، فاليوم تحتل التهديدات الأمنية موضع الصدارة في اهتمامات الناس، البعض يخشى أن الإفراط في الدفاع الحماسي عن الخصوصية قد يعيق سلطات تطبيق القانون عن القيام بمسئولياتها، رابعا: قد تعرقل الخصوصية التدفق الحر للمعلومات، وتمنع الشفافية والصراحة، خامسا: الخصوصية قد تعوق الكفاءة التجارية وتزيد من التكاليف، فالانشغال غير المستحق بالخصوصية قد يفسد عملية جمع المعلومات الشخصية الضرورية، ويؤخر اتخاذ القرارات التجارية، ومن ثم يقلل الإنتاجية.
سادسا: بعض النقاد المجتمعيين يعتبرون الخصوصية حقا فرديا غير ملائم ولا يجب أن يسمح له بالتعدي على الحقوق الأخرى أو قيم المجتمع، وأخيرا: هناك قضية قوية مثارة ضد الخصوصية من قبل أشخاص مثل القاضي والفقيه القانوني الأمريكي ريتشارد بوزنر الذي يحتج - من وجهة نظر اقتصادية - بأن امتناع أي فرد عن تقديم معلومات شخصية صادقة غير مداهنة قد يمثل نوعا من الخداع، وهذا الانتقاد المهم يستحق فحصا أكثر تدقيقا.
من خلال سعيه لمنع أو تحجيم تداول المعلومات الشخصية، هل يعد الفرد منخرطا في أي شكل من أشكال الخداع، وخاصة إذا كانت تلك المعلومات ترسم له صورة غير محببة؟ يقول بوزنر بحزم:
عندما يصل الأمر لقيام الناس بإخفاء المعلومات الشخصية من أجل التضليل، فإن الحالة الاقتصادية لمنح الحماية القانونية لمثل هذه المعلومات ليست أفضل من الحالة الاقتصادية للسماح بالتحايل في عملية بيع السلع والبضائع.
لكن حتى لو استطاع المرء أن يدرك المنظور الاقتصادي، فلن يترتب على ذلك أنه سوف يقبل تقدير القيمة الاقتصادية لحجب المعلومات الشخصية، فالأفراد قد يكونون على استعداد لأن يقايضوا مصلحتهم في تقييد تداول تلك المعلومات في مقابل مصلحتهم المجتمعية في التدفق الحر لها، بعبارة أخرى، لم يظهر بوزنر، وربما يكون غير قادر على أن يظهر، أن حساباته للمصالح «المتنافسة» هي بالضرورة الحسابات الصحيحة، أو حتى الأكثر ترجيحا.
يدعي بوزنر أيضا أن الاعتبارات المتعلقة بكلفة العملية ربما تكون في غير مصلحة توفير الحماية القانونية للمعلومات الشخصية، فحينما تكون المعلومات مخزية ودقيقة، يكون هناك دافع اجتماعي لجعلها متاحة بشكل عام: فالمعلومات الصحيحة تسهل الاعتماد على الفرد الذي تخصه تلك المعلومات، وبناء على ذلك يصبح من المفيد اجتماعيا أن نمنح المجتمع الحق في الاطلاع على تلك المعلومات بدلا من السماح للفرد بإخفائها، وفي حالة المعلومات غير المخزية أو الكاذبة، فإن القيمة التي يجنيها الفرد من إخفائها تتخطى القيمة التي قد يجنيها المجتمع من الاطلاع عليها، فالمعلومات غير الصحيحة لا تدفع عملية اتخاذ القرار العقلانية إلى الأمام، ولهذا السبب فهي عديمة الفائدة.
معنى الخصوصية
حتى الآن، كنت أستخدم كلمة «الخصوصية» دون تمييز واضح لمعناها، وقد استخدمتها لوصف مجموعة متنوعة من الظروف أو الاهتمامات؛ من التماس ملاذ أو ملتجأ إلى حميمية علاقات القرابة المباشرة، ومن غير المستغرب مطلقا أن فكرة الخصوصية ذاتها ليست متماسكة أو واضحة المعالم، وبينما هناك إجماع عام على أن حرمة خصوصيتنا تتعرض للانتهاك بفعل الهجمات الضارية على النطاق الخاص، التي تأخذ شكل المراقبة، واعتراض اتصالاتنا، وأنشطة مصوري المشاهير (الباباراتزي)، فإن الصورة تصبح أكثر ضبابية عندما تتزاحم شكاوى إضافية متنوعة تحت مظلة الخصوصية.
لم ينتج عن المؤلفات الهائلة التي كتبت حول هذا الموضوع معنى واضح أو ثابت للقيمة التي توفر ساحة للمنافسة، من بين أشياء أخرى، من أجل حقوق المرأة (وخصوصا ما يتعلق بالحق في الإجهاض)، واستخدام وسائل منع الحمل، وحرية الشواذ والسحاقيات، وحق قراءة أو مشاهدة المواد الخليعة أو الإباحية، وبعض مشكلات سرية المعلومات المتعلقة بمرضى الإيدز وحاملي الفيروس، ولم ينتج عن استخدام الخصوصية في السعي وراء الكثير من الأفكار السياسية المتفاوتة، بل المتنافسة أحيانا، سوى قدر كبير من الارتباك التحليلي.
شكل 2-1: النهم للشائعات حول المشاهير يغذي وسائل الإعلام المولعة بالإثارة.
صفحة غير معروفة